السؤال
هناك موضوع يؤرقني كثيرا, وهو أن البعض يرون أن بعض أحاديث الرسول وبعض أفعاله وسنته التقريرية تنتفي بانتفاء السبب الذي أدى لحدوثها . على سبيل المثال ,, شرب الرسول من نفس الإناء الذي تشرب منه السيدة عائشة ومن نفس المنطقة وذلك أثناء فترة الحيض وأن السبب كان هو مقاطعة اليهود للمرأة الحائض تماما فأراد الرسول أن يوضح مخالفة ذلك ولذا فعل هذا ولكن هذا لا يعتد به الآن لأن لا أحد يقاطع زوجته الحائض.أيضا اعتبار أن آخر صفوف الرجال أشرها وكذلك أول صفوف النساء والسبب أن الرجال والنساء يصلون في مسجد واحد في أيام الرسول أما الآن فالنساء تصلي بمكان منعزل وبناية أخرى ملحقة بالمسجد وعلى هذا ليس هناك شيء بأول صفوف النساء أو آخر صفوف الرجال. كذلك أن صدقة الفطر كانت طعاما لأن هذا كان السائد وقتها وأيضا كان نظام المبادلة والمقايضة هو السائد أما الآن فالمال هو السائد. حقيقة هذا الكلام لست مستريحا له ولم أستطع أن أرد على أصحابه بأي شيء ولكني أعتقد أن هذا الفهم خاطىء فعلى سبيل المثال طبقا لهذا الكلام لا حاجة للسواك مع وجود فرش الأسنان والمعاجين الطبية ,, وهكذا نفرغ السنة النبوية شيئا فشيئا.فما رأى فضيلتكم في ذلك وهل يمكن إمدادى بما أستطيع به تغيير فكر هؤلاء أم أن رأيهم على صواب.وعذرا للإطالة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بحث الأصوليون في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله ، وقسموا أفعال النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار التشريع والجبلة إلى ثلاثة أقسام: قسم متمحض للتشريع، وقسم متمحض للجبلة وهو ما اقتضته طبيعته البشرية، كالأكل والشرب والقيام والقعود.. وقسم محتمل للتشريع والجبلة وهذا مختلف فيه بين أهل العلم للاحتمالين. وعلى هذا فليست تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم كلها من التشريع، ففي بعض الأحيان يتصرف صلى الله عليه وسلم من حيث إنه بشر من الناس يفكر ويدبر ويقترح.
ومن ذلك ما وقع في عزوة الأحزاب مع السعدين من إرادته صلى الله عليه وسلم من إعطاء ثلث ثمار المدينة لغطفان، وما وقع مع الحباب بن المنذر في بدر. وأمره لبريرة بالرجوع إلى زوجها مغيث وهي قصص صحيحة، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يعلمون ذلك فيسألونه صلى الله عليه وسلم هل هذا من قبل الوحي والتشريع أم هو من الرأي والشفاعة. فإذا كان من التشريع والوحي امتثلوه طائعين، كما قال تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا {الأحزاب:36}، أما إذا كان أمرا عاديا فإنهم يبدون فيه اقتراحهم ورأيهم. قال صاحب المراقي في ألفية الأصول:
وفعله المركوز في الجبله * كا لأكل والشرب فليس مله
من غير لمح الوصف والذي احتمل * شرعا ففيه قل تردد حصل
فالحج راكبا عليه يجرى * كضجعة بعد صلاة الفجر.
ومن الأفعال العادية أفعاله صلى الله عليه وسلم في بيته مع زوجته كما أشار السائل الكريم، ومن ذلك سباقه صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها. وأما صفوف النساء فإذا كن مميزات عن الرجال فأفضل صفوفهن الأمامية كما نص على ذلك أهل العلم. جاء في شرح الديباج صحيح مسلم بن الحجاج عند شرح الحديث المذكور: المراد بصفوف النساء اللاتي يصلين مع الرجال، أما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها، قال: والمراد بشرها أقلها ثوابا. وأما دفع قيمة الزكاة إن كان أحظ للفقير، فقد قال به جمع من أهل العلم قديما وحديثا ولا شك أن النقود أكثر ملاءمة وسدادا لخلة الفقراء، ومن منع دفع القيمة فقد نظر إلى الجانب التعبدي. وأما عن السواك فالسنة أصلا أن يكون بعود الأراك اللين نظرا لأنه أكثر إنقاء وملاءمة للفم وأطيب ريحا. أما إذا حصل الانقاء بغيره أو وجد ماهو أبلغ في الإنقاء، فمن نظر إلى أن المقصود الإنقاء فإنه يكتفي بالفرشاة والمعجون. ومن نظر إلى أن الأمر تعبدي، وأن السنة لا تحصل إلا بالعود فإنه يجعل السواك بالعود سنة. ولعل الراجح إن شاء الله تعالى. أن الفرشاة والمعجون تحصل بهما السنة لأن تنظيفهما للفم وتطهيرهما أبلغ من تطهير وتنظيف العود، وقد قال بعض أهل العلم بحصول السنة بالسواك بالأصبع والخرقة. وقال بعضهم بجعل الصابون والأشنان وغيرهما من المطهرات مكان التراب عند تطهير الإناء إذا ولغ فيه الكلب والخنزير. وعلى هذا فلا داعي للقلق فإن من قال من أهل العلم بعكس ما فهمت إنما قصد الحرص على السنة وتطبيق المقصود من أوامر النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.