من وافق قوله فعله فهو أجدر أن يستجيب له الناس

0 340

السؤال

بداية جزاكم الله خيرا على كل ما تقدمونه للمسلمين و أسأل الله العلي العظيم بإسمه الأعظم أن يحرم النار على وجه الشيخ المكلف بالإجابة عن سؤالي و جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، شيخنا الكريم .. اليوم في صلاة الجمعة كانت الخطبة عن آداب الدعوة إلى الله .. و ذكر الشيخ الخطيب جزاه الله الجنة أن الشخص إذا أحب أن ينصح شخصا لا بد أن ينظر في نفسه هل هو بعيد عن الذنب الذي سينهي عنه أم لا. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم جعلنا الله وإياكم ممن يشربون من حوضه يوم القيامة حذر من هذه المسألة و حديث الرجل الذي يلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه معروف لدى الكثير و لكن يا شيخ عندي استفسار. كلنا نذنب وخصوصا في هذا الزمن المشبع بالفتن و لكن أحيانا يكون الشخص مبتلى بمعصية مثل شرب الخمر أو النظر إلى الأفلام الخليعة أو المخدرات و غيرها و هو يعلم أنها معصية و يحاول أن يجاهد نفسه ولكن تغلبه الشهوة والنفس و الشيطان .. وفي نفس الوقت لايحب أن يرى أخاه المسلم يعمل نفس العمل و ما يحب ان يبتلى بنفس المعصية لأنه يحبه .. فيقوم بنصحه مع أنه واقع في نفس المعصية .. فهل يكون من ضمن من ذكرهم الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث .. يا شيخ الواحد يصبح في حيرة .. إذا نصح و هو مذنب خاف من الحديث لأنه فعلا مخيف جدا و إذا سكت عن النصح فهو محاسب أمام الله لأنه عنده العلم والنصح وأخفاه وهو قادر على قوله .. فما الحل يا شيخ .. يا ليت تشرح لي الحديث بالضبط و تقول لي من هم المعنيون به وأنا مرة قرأت في موقعكم أن الجالسين على مائدة الخمر يجب أن ينهى كل واحد منهم الآخر لأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فيكف نوفق بين الحديث و مسألة الامر بالمعروف ..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث الذي أشرت إليه رواه البخاري ومسلم، وهذا نصه ـ واللفظ لمسلم ـ عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدوربها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون يافلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول بلى كنت أمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه. ولا شك في أن هذا الحديث حقا مخيف كما ذكرت في سؤالك، ففيه وعيد شديد لمن أمر بالمعروف ولم يأته ونهى عن المنكر وأتاه إلا أنه مع ذلك عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إذ ليست العدالة شرطا فيه كما قال صاحب منظومة الآداب:

ولو كان فسق وجهل وفي سوى    * الذي قيل فرق بالكفاية فاحدد

قال العلامة السفاريني في غذاء الألباب شارحا له: ( ولو كان) ذلك الشخص الامر والناهي ( ذا) أي صاحب ( فسق) بأن فعل كبيرة ولم يتب منها أو أصر على صغيرة، إذ ليس من شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون فاعله عدلا في المعتمد، بل الإمام والحاكم والعالم والجاهل والعدل والفاسق في ذلك سواء كما في الآداب الكبرى. انتهى. ولو كان لا يأمر ولا ينهى إلا من ليس به وصمة لترك الأمر والنهي، قال القرطبي في تفسيره: وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر بمعروف ولا نهي عن منكر. قال مالك وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء !.انتهى، واعلم أن الأكمل للمرء بل الواجب عليه أن يتوب من جميع ذنوبه وأن يوافق قوله فعله وألا يخالف ما ينهى عنه، وله أسوة في العبد الصالح شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، حيث قال لقومه: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الأصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب{هود: 88}، ولا شك في أن من كان هذا حاله فهو أجدر أن يستجيب له الناس من ذاك الذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويأتيه، وقد ذكر ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف أن يحي بن معاذ كان ينشد في مجلسه:

مواعظ الواعظ لن تقبلا     * حتى تعيها نفسه أولا

ياقوم من أظلم من واعظ    *خالف ما قد قاله في الملا

أظهر بين الناس إحسانه    * وبارز الرحمن لما خلا. ولمزيد من فائدة راجع الفتوى رقم: 28171 .

والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة