السؤال
قرأت في حكم قضاء المكتوبات الفائتة طوال العمر، أن أقوال الفقهاء في وجوب قضائها ليس عليه دليل يعول عليه، بل التوبة من ترك الصلاة ومداومة أدائها كافية دون حرج . وقال أبو محمد علي بن حزم : لا يقضي بل يكثر من فعل الخير وصلاة التطوع، فما هو الدليل الثابت على أن من ترك صلاة عمدا لزمه قضاءؤها. وما حكم من حج وتاب.\"من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه\".
و لكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن وجوب قضاء الصلاة على من فاتته متعمدا قد اختلف فيه العلماء، فذهب الجمهور إلى أن ذلك واجب، لأنه إذا وجب القضاء على من فاتته لأجل النسيان أو النوم كان قضاؤها أولى فيمن تركها متعمدا، وإنما يختلف صاحب العذر عن غيره في عدم الإثم. قال الحافظ ابن حجر عند كلامه على حديث البخاري وهو قوله صلى الله عليه وسلم: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك. وأقم الصلاة لذكري. قال: وقد تمسك بدليل الخطاب منه القائل أن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي. والشرط هنا النسيان، والمشروط الصلاة، والمراد قضاؤها. وقال: من قال يقضي العامد بأن ذلك مستفاد من مفهوم الخطاب، فيكون من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، لأنه إذا وجب القضاء على الناسي مع سقوط الإثم والحرج عنه فالعامد أولى. انتهى.
ومن كلامه هذا يتبين لك أن حجة الفريقين الأساسية هذا الحديث، فكل منهما قد فهم منه ما ذهب إليه، ولا شك أن مذهب الجمهور أحوط ولا سيما مع عدم وجود دليل نص في المسألة عند من خالفهم. وقال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: وأقم الصلاة لذكري {طه: 14}. فأما من ترك الصلاة متعمدا فالجمهور أيضا على وجوب القضاء عليه، وإن كان عاصيا. قال: والفرق بين المتعمد والناسي والنائم حط المأثم، فالمتعمد مأثوم، والجميع قاضون، والحجة للجمهور قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة" ولم يفرق بين أن يكون في وقتها أو بعدها، وهو أمر يقتضي الوجوب، وأيضا فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي مع أنهما غير مأثومين، فالعامد أولى. انتهى. وللفائدة راجع الفتاوى التالية: 51144، 44367، 17940.
وأما من تاب من الذنوب أو حج حجا مبرورا فإن توبته أو حجه لا يسقطان المطالبة بقضاء الصلاة عند القائلين بوجوب القضاء، لأنها من قبيل الحقوق لا من الذنوب، وإنما الذنب تأخيرها، فنفس التأخير يسقط بالحج المبرور، لا هي نفسها، وقد بينا هذا المعنى في الفتوى رقم: 24433.
والله أعلم.