السؤال
لقد سمعت أن في كتاب تفسير كشف الشبهات للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أن الاستغاثة نوعان:
الاستغاثة بالأحياء وهي جائزة لا حرج فيها، وقد استدل الشارح -صالح بن فوزان الفوزان- بالآية (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه) القصص 15، وبالحديث: تعاونوا على البر والتقوى... والاستغاثة بالأموات وهي شرك.
وليس هذا موضع سؤالي والحمد لله، وإلى هذا الحد ليس لدي إشكال، حتى وقعت على تفسير لمعاني التوحيد للشيخ أسامة القوصي، حيث لم يقل خلاف ذلك، ولكنه قال: من تمام التوحيد ألا تطلب الاستغاثة والاستعانة إلا من الله، واستدل بالآية التي في سورة يوسف: (اذكرني عند ربك، فأنساه الشيطان ذكر ربه، فلبث في السجن بضع سنين)، وقال في التفسير لبضع سنين أنه عليه السلام مكث 7 سنوات، لأنه طلب الاستعانة من غير الله.
فالرجاء أن تفيدوني بتوضيح الربط بين الآيتين والمعنيين العظيمين، لأني أرجو الله أن نكون من الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عذاب، وهم الذين توفرت فيهم أعلى معاني التوحيد.
جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اتفق الفقهاء على جواز الاستغاثة برسول الله وبكل مخلوق حال حياته فيما يقدر عليه، واحتجوا بقوله تعالى: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر {الأنفال:72}، وقوله تعالى: فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه {القصص:15}، وقوله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى {المائدة:2]، وفي حديث أويس القرني: فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فقال له عمر: فاستغفر لي، فاستغفر له. رواه مسلم عن أسيد بن جابر عن عمر بن الخطاب، وثبت بالتواتر أن الصحابة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء في الأمور الدنيوية والأخروية.
وقال الله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جآؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما {النساء:64}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والمخلوق يطلب من هذه الأمور ما يقدر عليه منها. انتهى.
وفي موسوعة الفقه الكويتية: اتفق الفقهاء على أن الاستغاثة لدفع شر أو جلب نفع مما يملكه المخلوق، تجوز بالمخلوقين مطلقا فيستغاث بالمسلم والكافر والبر والفاجر. انتهى.
وكذلك قالت اللجنة الدائمة: الاستعانة بالحي والحاضر فيما يقدر عليه جائزة كمن استعان بشخص فطلب منه أن يقرضه نقودا أو استعان به في يده أو جاهه عند سلطان لجلب حق أو دفع ضر. انتهى.
فتبين من هذه النقولات جواز الاستعانة بالمخلوقين الأحياء فيما يقدرون عليه، وأنه لا ينافي كمال التوحيد وقد ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمر السابق، وفعله يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وقد شهد الله له أنه من عباده المخلصين والمخلص لا يكون مخلصا مع توكله على غير الله، قال الله تعالى: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين {يوسف:24}، فلا يليق بمكانة الأنبياء وتعظيمهم وتوقيرهم أن نقول إن ما فعلوه ينافي تمام التوحيد، فمن كامل التوحيد إذن؟!!
وقال شيخ الإسلام في معرض كلامه عن هذا الموضوع: قالوا الأولى أن يتوكل على الله، ولا يقول اذكرني عند ربك فلما نسي أن يتوكل على ربه جوزي بلبثه في السجن بضع سنين، فيقال: ليس في قوله "اذكرني عند ربك" ما يناقض التوكل، بل قد قال يوسف: إن الحكم إلا لله. كما أن قول أبيه: لا تدخلوا من باب واحد. لم يناقض توكله، بل قال: وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون. وقوله: اذكرني عند ربك. مثل قوله لربه: اجعلني على خزآئن الأرض إني حفيظ عليم.
فلم يكن في قوله: اذكرني عند ربك ترك لواجب ولا فعل لمحرم حتى يعاقبه الله على ذلك بلبثه في السجن بضع سنين، وكان القوم قد عزموا على حبسه إلى حين قبل هذا ظلما له مع علمهم ببراءته من الذنب، قال تعالى: ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين {يوسف:35}، ولبثه في السجن كان كرامة من الله في حقه ليتم بذلك صبره وتقواه، فإنه بالصبر والتقوى نال ما نال، ولهذا قال: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين { يوسف:90}. اهـ.
فتبين مما سبق أنما فعله يوسف عليه السلام لا ينافي كمال الإيمان، وأن لبثه في السجن ليس عقوبة، بل كان كرامة وزيادة ثواب وأجر عند الله تعالى.
والله أعلم.