السؤال
الشيخ الفاضل حفظكم الله وبعد،
هل إساءة الظن بالشخص السيء في خلقه والبعيد عن طاعة ربه فيه إثم مثال: هنالك أشخاص يتصرفون تصرفات فيها ريب بأمر معين سبق وأن قاموا فيه عدة مرات والله اعلم لا زالوا فهل سوء الظن فيهم بما يتعلق بذلك الأمر فيه إثم علي؟ حيث إن تصرفاتهم تجبرني على الشك بأمرهم!!
سددكم الله وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد عد الغزالي في الإحياء من أبواب المهلكات ومداخل الشيطان للقلوب سوء الظن بالمسلمين، وفصل في أحواله فبين حرمة ظن السوء والعفو عن الشك والخواطر العارضة، فقال: اعلم أن سوء الظن حرام، مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك، ولست أعني به إلا عقد القلب وحكمه على غيره بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه، بل الشك أيضا معفو عنه، ولكن المنهي عنه أن يظن والظن عبارة عما تركن إليه النفس ويميل إليه القلب، فقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم. وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل، فعند ذلك لا يمكنك إلا أن تعتقد ما علمته وشاهدته، وما لم تشاهده بعينك ولم تسمعه بأذنك ثم وقع في قلبك، فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه، فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة. فلا يجوز تصديق إبليس، وإن كان ثم مخيلة تدل على فساد واحتمل خلافه لم يجز أن تصدق به، لأن الفاسق يتصور أن يصدق في خبره، ولكن لا يجوز لك أن تصدق به حتى إن من استنكه فوجد منه رائحة الخمر لا يجوز أن يحد إذ يقال يمكن أن يكون قد تمضمض بالخمر ومجها وما شربها أو حمل عليه قهرا، فكل ذلك لا محالة دلالة محتملة فلا يجوز تصديقها بالقلب.
وذكر من مخاطره: أن من يحكم بشر على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة، فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه أو يتوانى في إكرامه، وينظر إليه بعين الاحتقار، ويرى نفسه خيرا منه، وكل ذلك من المهلكات، ولأجل ذلك منع الشرع من التعرض للتهم حتى احترز هو صلى الله عليه وسلم من ذلك، واستدل بما في الصحيحين عن صفية قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحانه الله يا رسول الله قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدمن وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا.
قال: فيجب الاحتراز عن ظن السوء فمهما رأيت إنسانا يسيء الظن بالناس طالبا للعيوب، فاعلم أنه خبيث الباطن، وأن ذلك خبثه يترشح منه، وإنما رأى غيره من حيث هو فإن المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب، والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق.
وبهذا تعلمين -حفطك الله- أن المسلم يجب عايه أن يحسن الظن بأخيه المسلم ، وهذا في حق من كان من أهل الخير والديانة أما إذا كان من أهل الشر أو كان فاسقا بعيدا عن طاعة الله أو كان سيء الخلق فهؤلاء حسن الظن بهم ليس بحسن قال ابن مفلح في الآداب الشرعية : وذكر القرطبي ما ذكره المهدوي عن أكثر العلماء أن ظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز وأنه لا حرج بظن القبيح بمن ظاهره قبيح . ثم قال رحمه الله : وقال الوزير ابن هبيرة الحنبلي : لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع بحال.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 15185، 16126، 23209، 28676، 10077، 48025.
والله أعلم.