السؤال
جزاكم الله خيرا على معاونتكم في التعرف على أمور ديننا. فقد علمت أن بيع الذهب بالدولار دينا لا يجوز لاتحاد العلة فيهما وهى الثمنية . لكن أعتقد والله أعلم أن الثمنية في الذهب والفضة كانت فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الأموال كانت تضرب منهما فى ذلك الوقت لكن الثمنية مفتقدة فيهما فى الوقت الراهن فهما كأي سلعة من السلع، وما شاع في الماضي القريب من أن النقود الورقية لها رصيد من الذهب فقد تغير الوضع الآن وأصبح الاعتماد فى زيادة كمية الأموال الورقية أو نقصانها معتمدا على اقتصاد الدولة وما تصدره من بترول أو غيره. فما دليل ثمنية الذهب والفضة الآن؟ وهل يمكن أن نقول بجواز أن يبيعه مسلم لكافر بذلك الطريق ببلاد الكفر ؟ معذرة لسؤالي هذا لأنني أتحرى الدقة في تلك الفتوى حتى أنقذ الكثيرين من القائمين على بيع الذهب بالدين وهم كثير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أولا أن الربا محرم في النقدين: الذهب والفضة بالنص، وهو محرم فيهما بقسميه: ربا الفضل وربا النسيئة.
إلا أن ربا الفضل محرم فيما اتحد جنسه دون ما اختلفت أجناسه، وربا النسيئة محرم ولو اختلفت الأجناس.
روى الشيخان من حديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" والورق: الفضة.
وإذا علمت هذا فاعلم أيضا أن الأصوليين قسموا العلل إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما دل النص على أنه هو علة الحكم.
الثاني: ما علم أنه هو العلة بواسطة دلالة الإيماء والتنبيه.
الثالث: ما استنبط استنباطا أنه هو العلة.
وهذه الأقسام مرتبة في القوة على درجاتها في هذا الترتيب، وحرمة الربا في النقدين ثابتة بالنص المتقدم، وكون علة ذلك التحريم هي الثمنية أمر مستنبط، وقد نص العلماء على أن العلة المستنبطة لا يمكن أن تعود على الحكم بالإبطال، لأن النص دلالته قطعية وهي دلالتها ظنية. ومن المكابرة بمكان القول بأن الأوراق النقدية المتداولة لم تأخذ حكم النقدين فتلتحق بهما في الأحكام، لأنها صارت ثمن كل مثمن وقيمة كل مقوم، وهذه هي وظيفة النقدين في الزمن الماضي، فحاصل الأمر أن الربا في النقدين محرم بالنص وهو في الأوراق المالية محرم بقياسها على النقدين بعلة جامعة وهي الثمنية، فالنقدان حرم فيهما الربا بالنص والأوراق حرم فيها الربا بالقياس على النقدين، فربا النسيئة في الكل محرم وربا الفضل محرم فيما كان من جنس واحد، والذهب جنس والفضة جنس وعملة كل بلد جنس، ولا يجوز التفاضل في الجنس ولو اختلفت فئاته، فلا تباع مائة دولار من فئة مرغوب فيها بمائة وعشرة مثلا من فئة مرغوب عنها، ولا يجوز النساء وهو التأخير في شيء من المعاملات النقدية ولو اختلفت الأجناس، فلا يباع الدولار بغيره من دولار أو ذهب أو فضة أو ريال أو غيره، إلا إذا كان ذلك مقبوضا قبضا ناجزا.
وما أثرته في السؤال من أن الثمنية قد انسحبت عن النقدين فينتفي عنهما حكم الربا لأنهما صارا من أنواع البضائع، إنما يتجه لو كان معنا ما يقطع على أن العلة في تحريم الربا فيهما هي الثمنية، وقد علمت أن كون العلة هي الثمنية أمر مستفاد بالاستنباط، فهو مظنون والمعلل بالمظان لا يتخلف بتخلف المعلولات إذا كان الحكم فيه ثابتا بالنص. يزداد الأمر وضوحا في فئات النقد المعدنية الموجودة الآن، فإن علة الربا فيها ظنية وهي الثمنية إلحاقا لها بالذهب والفضة، فلو أن عملة بلد انهارت قيمتها انهيارا كاملا فتعود هذه القطع المعدنية كغيرها من قطع المعادن لا ربوية فيها، يباع بعضها ببعض ولو تفاضلا، وتشترى هي بالناجز من النقود وغير الناجز لأنها قد صارت بضاعة من البضائع، إذ لم تعد ثمنا لكل مثمن ولا قيمة لكل مقوم، وبهذا نرجو أن تكون الشبهة قد زالت والعلم عند الله تعالى.