ضوابط وأحكام العادة السرية

0 805

السؤال

أنا فتاة جامعية، أبلغ من العمر 19 سنة، وسوف أصبح في 23 قبل أن أتزوج.مشكلتي بدأت مع العادة السرية، وقد رأيت التحريم في أحد فتاويكم، ولكني قرأت في أحد الكتب بأن العادة السرية مباحة عند الحنابلة، إذا لم يستطع الشخص الزواج.أما عند الشافعية، فقد حرموها مع اللعنة، وأنا لن أتزوج الا بعد فترة طويلة، وبعدها قد لا يتقدم أحد لخطبتي. فماذا يقول الأئمة الآخرون؟ وماذا أفعل في حالتي؟ فأنا لا أستطيع أن أذهب إلى والدي طالبة الزواج، مع العلم أن لدي شقيقات ما زلن غير متزوجات، وهن كبيرات في السن.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يرشد الشباب إلى الاستمناء (العادة السرية)، ولو كان خيرا لأرشد إليه، وإنما أرشد إلى الزواج أو الصوم فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. أي: وقاية من الزنا. أخرجه البخاري ومسلم.

ولقد قرر الأطباء أن ممارسة العادة السرية تؤدي إلى أضرار بدنية، ونفسية، فهي تستنفد قوى البدن، وتسبب الاكتئاب، وتشغل فاعلها عن الواجبات، وقد تقوده إلى ارتكاب الفواحش، فكثير من الرجال يصاب بالضعف الجنسي بسبب هذه العادة، ويظهر ذلك جليا عند الزواج، بل إن الكثير ممن اعتادوا ذلك لم يفلحوا في الزواج، فوقع الطلاق، ومنهم من استمر في هذه الممارسة بعد الزواج وبعد إنجاب الأطفال ولا يزال يبحث عن طريق الخلاص، أما الفتاة فقد تزول (بكارتها) بفعلها كما يقول الأطباء، وإذا كانت تمارس العادة السرية بصورة مستمرة ومتكررة ولمدة طويلة، وتعيش في خيالاتها، فإن قدرتها على الاستمتاع بعد الزواج يمكن أن تتأثر، فلا تشعر بما تشعر به الفتيات اللاتي لا يمارسن تلك العادة ولا يرين متعة فيها، وقد تصل إلى مرحلة الإدمان، وهو من أخطر الأمور.

قال الشيخ مصطفى الزرقا -رحمه الله-: وما كان مضرا طبيا فهو محظور شرعا وهذا محل اتفاق بين الفقهاء. انتهى.

وما أحسن ما أفتى به الشيخ حسنين مخلوف -مفتي الديار المصرية الأسبق- حيث قال: ومن هنا يظهر أن جمهور الأئمة يرون تحريم الاستمناء باليد، ويؤيدهم في ذلك ما فيه من ضرر بالغ بالأعصاب والقوى والعقول، وذلك يوجب التحريم، ومما يساعد على التخلص منها أمور، على رأسها:
1- المبادرة بالزواج عند الإمكان ولو كان بصورة مبسطة لا إسراف فيها ولا تعقيد.
2- وكذلك الاعتدال في الأكل والشرب حتى لا تثور الشهوة، والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام أوصى بالصيام في الحديث الصحيح.
3- ومنها البعد عن كل ما يهيج الشهوة كالاستماع إلى الأغاني الماجنة والنظر إلى الصور الخليعة، مما يوجد بكثرة في الأفلام بالذات.
4- توجيه الإحساس بالجمال إلى المجالات المباحة كالرسم للزهور والمناظر الطبيعة غير المثيرة.
5- ومنها تخير الأصدقاء المستقيمين والانشغال بالعبادة عامة، وعدم الاستسلام للأفكار.
6- الاندماج في المجتمع بالأعمال التي تشغله عن التفكير في الجنس.
7- عدم الرفاهية بالملابس الناعمة، والروائح الخاصة التي تفنن فيها من يهمهم إرضاء الغرائز وإثارتها.
8- عدم النوم في فراش وثير يذكر باللقاء الجنسي.
9- البعد عن الاجتماعات المختلطة التي تظهر فيها المفاتن، ولا تراعى الحدود.

وبهذا وأمثاله تعتدل الناحية الجنسية ولا تلجأ إلى هذه العادة التي تضر الجسم والعقل، وتغري بالسوء. انتهى. انظر مجلة الأزهر المجلد الثالث، صفحة 91 عدد شهر محرم 1391هـ.

وبناء على ما تقدم؛ فإننا ننصح السائلة الكريمة بعدم الالتفات إلى الأقوال الضعيفة أو المرجوحة التي قد يفهم منها إباحة (العادة السرية)، خاصة وأن الجمهور يقول بتحريمها، فالمالكية والشافعية يقولون بتحريمها كما في أضواء البيان (5/525) عند تفسير آية (5_7) من سورة المؤمنون) لمحمد الأمين الشنقيطي.

وأما الأحناف، فيقول العلامة الزرقا في بيان مذهبهم: قالوا: إنها من المحظورات في الأصل، لكنها تباح بشروط ثلاثة: أن لا يكون الرجل متزوجا، وأن يخشى الوقوع في الزنا -حقيقة- إن لم يفعلها، وألا يكون قصده تحصيل اللذة، بل ينوي كسر شدة الشبق الواقع فيه.
والحاصل أن القواعد العامة في الشريعة تقضي بحظر هذه العادة لأنها ليست الوسيلة الطبيعة لقضاء الشهوة، بل هي انحراف، وهذا يكفي للحظر والكراهة، وإن لم يدخل في حدود الحرام القطعي كالزنا، ولكن تحكم هنا قاعدة الاضطرار أيضا من قواعد الشريعة، فإذا خشي الوقوع في محظور أعظم كالزنى أو الاضطرابات النفسية المضرة، فإنها تباح في حدود دفع ذلك على أساس أن الضرورات تقدر بقدرها
. إلخ انتهى.

وبناء على ما تقدم من مذهب الحنفية، فإنهم لم يبيحوا هذه العادة، وإنما إذا اضطر إليها، وخشي الوقوع في الزنا فإنه، يرتكب أخف الضررين.

ثم إن الفاعل إذا كان يقصد بفعله تحصيل اللذة، فلا شك أنه يفعل الحرام، وربما كان أكثر من يفعلون العادة السيئة يفعلونها من أجل تحصيل اللذة، أو التسلية، فهم غير مضطرين إليها...

أما مذهب الحنابلة؛ فقد نصوا على أن الاستمناء محرم، وأن صاحبه يستحق التعزير، وأنه لا يباح إلا عند الضرورة، وقد سبق بيان حد الضرورة.

بقي أن نقول لهذه السائلة الكريمة: إن هذه العادة السيئة تعطي شعورا خداعا، وتوقع صاحبها في الأوهام والخيالات، فعليك بمقاومة النفس والتغلب على إغوائها، وننصحك بالتوبة إلى الله بصدق، والالتجاء إليه أن يخلصك من هذه العادة المرذولة، وأكثري من تلاوة القرآن والصوم وغيرها من العبادات، وعاهدي الله على الطاعة، مع الالتزام بكل النصائح التسع التي سبق ذكرها.

وأما قولك بأنني لن أتزوج إلا بعد فترة طويلة، فإننا لا نوافقك على ذلك، فلا يعلم الغيب إلا الله، وما أدارك فربما وفقت للزواج بمن ترضين في وقت قريب، من حيث لا تحتسبين، المهم أن تحرصي على تقوى الله، والعمل الصالح، لأن الله يقول: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب {الطلاق:2 - 3}.

وإذا تأخر الخطاب، فاصبري، واحتسبي أجرك عند الله، فإن الله لا يضيع أجر الصابرين: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين {يوسف: 90}.

ثم إن وجود شقيقات لك لم يتزوجن لا يعني استحالة زواجك قبلهن، لأن الأمور بيد الله -سبحانه-، فلا تيأسي من رحمة الله، وإذا كنت لا تستطيعين طلب الزواج من والدك، فيمكنك إخبار والدتك بذلك لتخبره هي بذلك مثلا، لأن هذا الطلب حق من حقوقك لا حرج فيه شرعا.

واعلمي أن الدراسة ليست مانعا من الزواج، ونحذرك أن تجعلي منها عائقا أو تسمعي لمن ينعق بهذه الأفكار التي تدفع الفتيات ثمنها باهظا، بل قد يدفعن حياتهن وسعادتهن ثمنا لوهم أطلقه بعض شياطين الإنس، فالزواج أولا مع أنه يمكنك الدراسة مع الزواج، كما تفعل كثير من الفتيات، وهن في غاية التوفيق والسعادة.

نسأل الله أن ييسر لك الخير حيث كان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة