الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد فضل الله أمة العرب على غيرها من الأمم بأن جعل خاتم الأنبياء منهم، وجعل القرآن بلغتهم (
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) {الجمعة:4}، وليس لأحد أن يعترض فـ (
الله أعلم حيث يجعل رسالته) {الأنعام:124}، وهو سبحانه (
لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) {الأنبياء:23}، وله سبحانه في ذلك حجة وحكمة، قال الله تعالى:
قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين {الأنعام:149}، وقال عن نفسه:
والله يعلم وأنتم لا تعلمون {البقرة:216}، وقال تعالى:
وما تشاؤون إلا أن يشاء الله {الإنسان:30}.
هذا وإن كان مبدأ رسالة الإسلام كان في بلاد العرب إلا أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة عربهم وعجمهم، قال سبحانه وتعالى: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا {الفرقان:1}، وقال أيضا: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين {الأنبياء:107}، فالناس كلهم مطالبون بالقيام لله تعالى بهذا الدين، وعلى المسلمين أن يبذلوا الجهد في إبلاغه إلى الناس كافة.
هذا ويبدو أن الأمر قد اختلط على الأخت السائلة من جهة أنها عقدت المقارنة بين العرب واليهود، فإن اليهودية دين يعتنقه العربي وغيره، بينما العرب جنس فيهم المسلم وفيهم النصراني وفيهم اليهودي.
وعلى ذلك فالحكم على العرب يختلف باختلاف الدين الذي يعتنقونه، فأما المسلمون من العرب فهم خير البرية، وهم أمة الإجابة، وهم خير أمة، قال الله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس {آل عمران:110}، وقال تعالى أيضا: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا {البقرة:143}، أما اليهود الذين حرفوا دينهم وبدلوه أو من أدرك منهم محمدا صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به فهم أراذل الناس وهم شر البرية، ولقد ذمهم الله في أكثر من موضع في كتابه، قال تعالى: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل {المائدة:60}، وانظري سورة المائدة من الآية 56 إلى الآية 64.
وهذا ولقد كان الله قد اصطفى بني إسرائيل ( في زمانهم وقبل أن يخرج أمة محمد صلى الله عليه وسلم) وجعل فيهم النبوة، وجعلهم ملوكا، ولكنهم لما كفروا هذه النعم، وحرفوا التوراة، وتنكروا لأنبيائهم، ولما ادعو أن عزيرا ابن الله، وزعموا أن يد الله مغلولة- غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا- عندئذ استحقوا غضب الله عز وجل ولعنته ومسخهم قردة وخنازير، وضربت عليهم الذلة والمسكنة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، ومن بقي منهم على دينه وأدرك محمدا صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه فله أجره مرتين، وانظري الفتوى رقم: 17708.
وكذلك فإن قولك (إن الإسلام أصبح حبرا على ورق) قول باطل، لأن كثيرا من المسلمين يطبقون الإسلام ويتمسكون به عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وما يشهده العالم الإسلامي من صحوة إسلامية أكبر شاهد على ذلك، ثم إن انحطاط المسلمين في بعض العصور لا شأن للإسلام به وهذا ما تقوله الأخت السائلة أيضا، فإن المسلمين لو تمسكوا بهذا الدين ورعوه حق رعايته لكانوا في طليعة الأمم وهذا ما حصل بالفعل إذ قد عاش المسلمون يسودون الدنيا قرونا، قال الله تعالى: لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون {الأنبياء:10}، قال ابن عباس: أي فيه شرفكم. وقال سبحانه أيضا عن القرآن: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون {الزخرف:44}، أي أن هذا القرآن شرف لك ولقومك.
ولقد أمر الله رسوله وأمره لرسوله أمر لأمته بالتبع فقال: فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم {الزخرف:43}، وقال أيضا: فاستقم كما أمرت ومن تاب معك {هود:112}، ولكن المسلمين لما لم يستمسكوا بالدين، ولم يستقيموا على أمر الله -تخلفت عنهم شروط النصر، قال الله تعالى: إن تنصروا الله ينصركم {محمد:7}، وقال الله أيضا: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين {العنكبوت:69}، وانظري في هذا الموضوع كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) لأبي الحسن الندوي، وكتاب (هذا الدين) للأستاذ سيد قطب.
ثم إن رسالة الإسلام -مع كونها نزلت أول ما نزلت على العرب- إلا أنها خوطب بها العرب والعجم جميعا، وهي رسالة الله الخاتمة للعالمين.. وإن من أمة الدعوة اليابانيين والألمان وغيرهما، وعلى ذلك فليس لأحد أن يقول: (لو أن الإسلام بعث في اليابان أو في ألمانيا، الله أعلم ما ستصل إليه البشرية من رخاء و.... إلخ) لأنهم مخاطبون بالإسلام وقد بلغ كثيرا منهم ولكنهم مصرون معاندون، فأي الفريقين خير من اتبع هذا الدين على ما فيه من جهل وتقصير أم من أصر على كفره وعاند.
ولا يفوتنا أن ننبهك إلى أن قيمة الإنسان ليست في مقدار ما يحصله من متاع الدنيا ووسائل المعيشة الرغدة فيها، وإنما قيمته في تحقيق عبوديته لمولاه، فلا تنخدعي بحضارة مادية لا تعرف للكون إلها، ولا تدين بدين إلا الشهوة، وانظري للأهمية كتاب (جاهلية القرن العشرين) للأستاذ محمد قطب.
فاعتزي بدينك وإسلامك، ولا تنهزمي أمام الأمم الكافرة، واحمدي الله على أنك من المسلمين، فإنك تعرفين ربك، وتعرفين لماذا خلقك، وتعرفين مصيرك بعد الموت، أما غيرك من الكفار والملحدين، فهم في ريبهم يترددون، لا يعرفون لماذا خلقوا، ولا يعلمون مصيرهم في نهاية المطاف، فيعيشون لبطونهم وفروجهم، كما قال تعالى: والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم {محمد:12}
هذا ونبشرك بأن المستقبل لهذا الدين، وأن السناء والرفعة سيكونان لهذه الأمة، قال الله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون {النور:55}، روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر. وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون. رواه البخاري.
والله أعلم.