السؤال
ما المقصد الشرعي من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة؟ أرجو بيان ذلك من خلال أقوال العلماء، مع التحقيق العلمي.
ما المقصد الشرعي من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة؟ أرجو بيان ذلك من خلال أقوال العلماء، مع التحقيق العلمي.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلم -وفقك الله تعالى- أن الله سبحانه لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم، ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم، وتشريعاته سبحانه جميعها لحكمة، يعلمها سبحانه.
وما على المؤمن إلا الاستجابة، والانقياد لأوامر الله، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الذي عمل به صحابة نبينا -رضي الله عنهم-، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة:144]، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. ولم يتخلف واحد، ولم يسأل عن الحكمة من ذلك، وهذا من قوة إيمانهم، وصفاء قلوبهم من أي شك، أو تردد -رضي الله عنهم-، بعكس ضعاف الإيمان، ومن تأثر بدعاية اليهود.
وقد جاء التصريح بموقف الفريقين من تحويل القبلة في قوله سبحانه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله {البقرة:143}، قال القرطبي: يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة ممن ينقلب على عقبيه، يعني ممن يرتد عن دينه؛ لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم، ونافق قوم؛ ولهذا قال: وإن كانت لكبيرة، أي: تحويلها. قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. اهـ.
إلا أن بعض أهل العلم قد ذكر بعض الحكم من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فمن ذلك: استنباطهم من سبب نزول هذه الآية، وهي قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها {البقرة:144}، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يوجه نحو الكعبة، فأنزل الله عليه الآية، ووجهه نحو الكعبة. وهذا ذكره ابن كثير نقلا عن الإمام أبي حاتم في تفسيره.
أمر آخر ذكروه، وهو: أن الأمر بالتوجه إلى الكعبة؛ حتى يقطع احتجاج اليهود في أن النبي صلى الله عليه وسلم كما وافقهم في قبلتهم، فيوشك أن يوافقهم في دينهم، وممن قال نحو هذا القول: مجاهد، والضحاك، والسدي، وقتادة.
كما أن تحويل القبلة فيه إشارة إلى انتقال القيادة والإمامة في الدين من بني إسرائيل، الذين كانت الشام وبيت المقدس موطنهم، إلى العرب الذين كانت الحجاز مستقرهم، والنبي صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل، وقد شارك أباه إبراهيم -عليهما السلام- في بناء البيت، بخلاف أنبياء بني إسرائيل، فإنهم من ذرية إسحاق -عليه السلام-.
كما أن ارتباط مناسك الحج بالبيت الحرام، وبالكعبة المشرفة، فناسبه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت، الذي تكون فيه وحوله المناسك، وهذا -والله أعلم- جزء من كمال هذا الدين.
هذه بعض الحكم أشرنا إليها على عجل، وقد يكون الأمر بتحويل القبلة لأمور أخر غير هذه.
والله أعلم.