السؤال
في حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أتدري ما حق الله على العباد أن لا يشركوا به شيئا ثم قال أتدري ما حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا
وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل هذه المقولة فقال له أبو ذر يا رسول الله وإن زنى وإن سرق فقال عليه الصلاة والسلام وإن زنى وإن سرق.. الحديث والسؤال هو لماذا إذا يعذب عصاة المسلمين الذين لم يشركوا بالله شيئا وهل إذا أشرك العبد بالله شركا أصغر ثم تاب ومات من غير أن يشرك بالله شيئا بعد التوبة هل يكون من الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ بن جبل بالنجاة من عذاب الله. أجارنا الله وإياكم من الشرك ومن العذاب
وجزاكم الله خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم نقف على حديث بالرواية التي ذكرها الأخ الكريم في سؤاله، ولعله جمع بين حديثين مرويين في الموضوع المسؤول عنه. ففي الصحيحين أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، قال: فقال: يا معاذ: أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قال: قلت: يا رسول الله: أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلون.
والحديث الثاني هو في الصحيحين أيضا عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت، وإن زنى وإن سرق! قال: وإن زنى وإن سرق.
فلم يرد في الحديث الأول عبارة: وإن زنى وإن سرق. وورد فيه نفي العذاب عمن مات لا يشرك بالله شيئا، وهذا الحديث وما كان في معناه من الأحاديث الأخرى التي ورد فيها نفي العذاب عمن مات لا يشرك بالله شيئا قد اختلف أهل العلم في تفسيره، مع إجماع أهل السنة على أن من مات من أهل الذنوب من غير توبة، في مشيئة الله. قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: فحكي عن جماعة من السلف رحمهم الله منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي. وقال بعضهم: هي مجملة تحتاج إلى شرح ومعناه: من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها. وهذا قول الحسن البصري. وقيل: إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك. وهذا قول البخاري. وهذه التأويلات إنما هي إذا حملت الأحاديث على ظاهرها. وأما إذا نزلت منازلها فلا يشكل تأويلها على ما بينه المحققون. فنقرر أولا أن مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين أن أهل الذنوب في مشيئة الله تعالى، وأن كل من مات على الإيمان وتشهد مخلصا من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة، فإن كان تائبا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة ربه وحرم على النار بالجملة...اهـ.
وأما الحديث الثاني، فوردت فيه عبارة "وإن زنى وإن سرق" ولم يرد فيه نفي العذاب، فإنما فيه: أن
من مات لا يشرك الله شيئا دخل الجنة، وقد يكون ذلك بعد أن يعذب جزاء ما ارتكبه من المعاصي، وقد يكون دخول الجنة من غير أن يسبق بعذاب كما بيناه.
والحاصل أن العصاة من المؤمنين قد يعذبون جزاء ما اكتسبوا من الآثام، وقد لا يعذبون إذا لم يكن لهم ذنوب، أو أنهم تابوا منها قبل الموت، أو أن الله تفضل عليهم بمغفرتها من غير توبة، وكل ذلك يجوز في حقه تعالى، وليس فيه تعارض مع النصوص الواردة في الموضوع.
ومن مات من غير أن يشرك بالله شيئا وكان قد تاب من ذنوبه فقد يكون من المبشرين بالنجاة من العذاب في الحديث المذكور، وقد لا يكون إذا لم يخلص في توبته أو وقع في شيء من موانع قبول التوبة، وهذه أمور غيبية، لا يستطاع الجزم بما سيكون عليه الإنسان منها.
والواجب هو البعد عن الشرك وعن سائر الآثام والتوبة مما حصل منها والإخلاص في ذلك، فإذا فعل العبد جميع ذلك كان مرجوا له أن ينجو من عذاب الله.
والله أعلم.