السؤال
سمعت عن الإمام ابن حزم، وأنه صاحب مذهب الظاهرية، فلماذا لم ينتشر هذا المذهب مثل باقي المذاهب؟ وحينما أقرأ بكتب الفقه، ويذكر رأيه يقال غالبا (وتطرف ابن حزم في رأيه فقال ......) فلماذا يعد رأيه تطرفا؟ هل هو مخالف للإجماع؟ وكنت قد قرأت أن الأئمة الأربعة أبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل كلا منهم كان إمام أهل السنة والجماعة في زمنه. فهل ابن حزم كان كذلك أيضا أم لا؟ وإن كان لا فلماذا؟ هل كان عليه مخالفات لإجماع أهل السنة والجماعة مثلا؟ وقرأت انتقادات لكتاب له اسمه طوق الحمامة فما هو موضوع هذا الكتاب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلمذهب الظاهرية إمامان، الأول: داود بن علي الأصبهاني وهو منشئ المذهب. الثاني: أبو محمد ابن حزم الأندلسي وهو المجدد للمذهب الظاهري، وقد كان له الفصل في بيان المذهب وبسطه، ولمعرفة مكانة ابن حزم العلمية وأقوال العلماء فيه وما وجه إليه من نقد، راجع الفتوى: 58463.
أما عدم شيوع مذهب الظاهرية فله عدة أسباب من أهمها: قلة علماء المذهب، وقلة كتبه، فلم يشتهر منها إلا كتب أبي محمد ابن حزم، إلا أنه كان شديد العبارة على بعض العلماء، فكان ذلك سببا لإعراض بعض العلماء عن كتبه، وطعن بعضهم فيه، فكان لذلك أكبر الأثر في خمول المذهب.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: والحق أن بقاء مذهب ما أو انتشاره يعتمد على ثقة الناس بصاحب المذهب واطمئنانهم إليه، وعلى قوة أصحابه ودأبهم على نشره. اهـ.
هذا بالإضافة إلى أنه حكيت أقوال كثيرة مكذوبة عليه، وعلى داود بن علي أدت إلى نفرة العوام والخواص عن المذهب.
أما قول بعض أهل العلم تطرف ابن حزم في رأيه وما شابه فسببه إفراطه بالقول بالظاهر، مع نفيه لفحوى الخطاب والقياس الجلي والقياس مع عدم الفارق، مما أوقعه في غرائب في بعض الأحيان، جعلت العلماء يعجبون منها لما يعلمونه من فرط ذكائه ومعرفته بالسنة حتى قال ابن تيمية: فالمسألة التي يكون فيها حديث يكون جانبه فيها ظاهر الترجيح. اهـ.
وقد كان -رحمه الله- موافقا لأهل السنة معظما للسلف، لكنه خلط بين أقوال الفلاسفة والمعتزلة في مسائل الصفات، كما سبق بيانه، مما جعله مخالفا لأئمة أهل السنة في بعض المسائل، ولعل هذا من أسباب عدم كونه إماما لأهل السنة كباقي الأئمة إلا أنه رأس في علوم الإسلام، ولم يخالف أبو محمد الإجماع إلا نادرا وفي مسائل محصورة، والسبب في ذلك أن ابن حزم لا يقول بحجة الإجماع الذي لا يستند إلى دليل، فكان إذا وجد إجماعا لا دليل عليه لم يقل به، وإلا فهو يقول بإجماع كل عصر خلافا لداود بن علي، ولكن يشترط وجود الدليل، قال في الإحكام: الأصول التي لا يعرف شيء من الشارع إلا منها هي: نص القرآن ونص كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما صح عنه، ونقله الثقات أو التواتر وإجماع جميع العلماء. اهـ.
وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى بما حاصله أن العلماء يكتفون في بعض الأحيان بذكر الإجماع عن ذكر الدليل.
أما كتابه طوق الحمامة، فهو من كتب الأدب، وقد طالته يد التغيير كما سبق في الفتوى: 37128.
والله أعلم.