السؤال
توفيت ابنة أختي الصغيرة البالغة من العمر 9 أشهر ولم تكن تعاني من شيء ..ولقد استاءت نفسية أختي كثيرا ونحن دائما نصبرها ونذكرها بأن هذا ابتلاء من الله وأنها مأجورة على ذلك ونذكرها بمكانة ابنتها في الجنة .. ولكنها تتساءل دائما عن مكانة ابنتها في الجنة ولما الله خصها هي بالذات والكثير من الأسئلة وهي كالتالي:1) يقولون إن الصدقة تدفع البلاء .. وهي دائما تتصدق إذا لما ابتليت بذلك ولم تحم الصدقات ابنتي؟2) دعاء الأم مستجاب لماذا الله لم يستجب دعوتي ..وأمي دعت لابنتي عند الكعبة وهي حاجة لم لم تستجب دعوتها؟3) هل شعرت الطفلة بأنها سوف تموت وكيف استطاع ملك الموت قبض روحها؟4) هل شعرت بالوحدة وهي في القبر وما مراحل البرزخ بالنسبة لها كطفلة وهل بكت؟5) ماهي مكانتها في الجنة وماذا تفعل وماذا تأكل هل تشعر بما تشعره أمها من حزن بسبب موتها؟6) هل تشتاق لأمها مثل ما تشتاق أمها لرؤيتها مرة أخرى ؟7) كيف تشفع لوالديها حتى لو كانا مذنبين, وهل فعلا تشفع لسبعين شخص من أهلها؟8) هل يوجد كتاب يشمل أو يذكر فيه هذه الجزئية عن موت الأطفال ومكانتهم في الجنة .. إذا نعم أفيدوني أو دلوني عليه ..وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب على المسلم أن يعتقد أن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار، ويحكم لا معقب لحكمه، كما قال: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الأنبياء:23}. وأن الله عز وجل عدل لا يظلم أحدا من خلقه مثقال ذرة، كما قال: وما ربك بظلام للعبيد {فصلت:46}. وقال: إن الله لا يظلم مثقال ذرة {النساء:40}.
فعليكم أن تعزوا الأخت في مصابها، وتبينوا لها فضل الصبر على المقدور، وأن ما قدر الله خير ولو لم نعلم حكمته، وأن الله سيعوضها بسبب صبرها خيرا من البنت وسيعطيها بيتا في الجنة، وأن البنت ستشفع فيها حتى تدخلها الجنة معها، وأن الاولاد الذين ماتوا صغارا يكونون في الجنة ولا ينالون حزنا ولاعذابا، فقد روى البخاري و مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابنا لي قبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب. وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيرا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة وعظه صلى الله عليه وسلم للنساء، قال لهن فيما يقول : ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجابا من النار، فقالت امرأة: واثنين، فقال: واثنين. وعن قرة بن إياس رضي الله عنه أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تحبه؟ قال: نعم يا رسول الله أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ قالوا يا رسول الله مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: ألا تحب أن لا تأتي بابا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟ فقال رجل يا رسول الله: أله خاصة أم لكلنا؟ قال: بل لكلكم. رواه أحمد وقال المنذري: رجاله رجال الصحيح. وفي رواية للنسائي قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس جلس إليه نفر من أصحابه فيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي لا أرى فلانا! قالوا يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه فأخبره أنه هلك فعزاه عليه ثم قال: يا فلان أيما كان أحب إليك أن تتمتع به عمرك أو لا تأتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك، قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لهو أحب إلي قال: فذاك لك. والروايتان صححهما الألباني. وفي الحديث: ما من مسلمين يموت بينهما ثلاثة أولاد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة، قال: يقال لهم: ادخلوا الجنة فيقولون: حتى يدخل آباؤنا فيقال: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم. رواه النسائي وصححه الألباني. وروى مسلم في الصحيح عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيه إجماع المسلمين. قال المازري: أما أولاد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فالإجماع متحقق على أنهم في الجنة، وأما أطفال من سواهم من المسلمين فجماهير العلماء على القطع لهم بالجنة ونقل جماعة الإجماع على كونهم من أهل الجنة قطعا لقوله تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم. انتهى كلام النووي. ويدل لما ذكره النووي ما رواه البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا الطويل قال: فانطلقنا، فأتينا على روضة معتمة، فيها من كل لون الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل، لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، ثم قالا في جوابهما له: وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة.
وأما شعور البنت بأنها ستموت فإنه قد يخفى على الصغار كما يخفى على بعض الكبار، وأما ملك الموت فإنه يستطيع قبض روحها بإذن الله امتثالا لأمر الله، وأما حالها في القبر والبرزخ فالله أعلم إلا أنا قد قدمنا حديث سمرة في اجتماع الأولاد تحت كفالة إبراهيم عليه السلام، وهذا قد يفهم منه أنها لا تشعر بالوحدة والله أعلم.
وأما استجابة دعاء الأم للولد فهو ثابت لحديث السنن إلا أن الاستجابة قد تحصل بتحقق المطلوب أو بادخار الله للعبد في الآخرة ما هو أنفع مما طلب أو بدفع البلاء عنه، وراجعي في هذا وفي فضل الصبر والرضا بالقدر الفتاوى التالية أرقامها: 25874 و 35559 و 47818 و 31887 و 3499 و 2395 و 21386 و 38602 و 50984.
والله أعلم.