السؤال
كنت مسافرا بعض الوقت للعمل في بلد آخر وبعد عودتي اعترفت زوجتي بوقوعها في الزنا وقالت إن شيئا ما من السحر أعماها عن نفسها وسخرت لهذا الرجل المعتدي وهو زوج صديقتها القريبة منها وأنها لم تكن ترى سوءا فيما يحدث بينهما وعن نفسي لاحظت عليها الكثير من الأعمال غير الطبيعية في التصرفات والتشنجات. ولما ضربتها ضربا مبرحا عدة مرات لفعلتها خرجت من الوضع غير طبيعي وأقرت بتفاصيل ما حدث لها وأنها كانت تطيعه فيما يأمرها بفعله بدون أن تستطيع رفضه أي في أثناء غيابي وأن شيئا ما كان يتبعها ويراقبها في بيتها وبسؤال إحدى العرافات أخبرت أن عليها نوعا من السحر الأسود وتفاصيل الأحداث بينهم تدل على أنه ليس من المتوقع لأي امرأة عاقلة تقوم بفعله مثل عدد مرات الجماع والأماكن العامة التي ذهبا إليها والمجيء المتعدد لمنزل الزوجية ورؤية الناس لحضوره وتصويره لها عارية في أوضاع مشينة ومثل ذلك وهي تقسم على أنها لم تكن تعرف لماذا كانت عليها إطاعته وأنها لم تحبه قط وأنها كانت تكره زيارة منزلهم ولا تحب زوجته التي تلح بإصرار شديد جدا على مجيئها لمنزلهم والبيات عندهم في أثناء سفري هي الآن ترجوني ألا أطلقها وأنها تريد الانتقام منه ومن زوجته التى كانت تعلم بما يفعله زوجها بصديقتها الحميمة وأنها هي التي كانت تدفعه للتقارب منها وأنها شاركت في عمل السحر عليها ونحن ليس بيننا أولاد فهل يسمح الشرع بإبقائها كزوجة أم يجب تطليقها؟ وما حكم الشرع في امرأة حدث لها مثل ذلك؟ وهل يجوز شرعا لها الانتقام من الرجل وزوجته الذين أوقعاها في الزنا؟ وكلمة أخيره عنها أنها كانت زوجة مخلصة ولم أعلم عليها سوءا قبل هذه الفعلة ونحن متزوجون منذ خمس سنوات.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كانت هذه المرأة قد تابت مما ارتكبت من الفواحش أو كانت ارتكبته مرغمة عليه تحت تأثير سحري ونحو ذلك، فلا ننصحك بتطليقها، وذلك لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولأن المكره لا يؤاخذ بما أكره عليه.
أما إن كانت طائعة ولا تزال مصرة على ذلك، فإنا ننصحك بفراقها، وتراجع الفتوى رقم: 25475.
وأما ما يمكنك فعله مع هذا الرجل الساحر المتعدي وزوجته فمقاضاتهما ورفع أمرهما إلى القضاء، وليس لكم أن تقدموا على إقامة الحد عليه لأن أمر ذلك راجع إلى الحاكم.
وننبه إلى أن الذهاب إلى العرافين والعرافات حرام لا يجوز، فقد قال صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد وغيره.
قال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: وقال الخطابي أيضا في حديث من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، قال: كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيرا من الأمور، فمنهم من يزعم أن له رئيا من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيه، ومنهم من يسمى عرافا وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب استدل بها كمعرفة من سرق الشيء الفلاني، ومعرفة من يتهم به المرأة ونحو ذلك، ومنهم من يسمي المنجم كاهنا. قال: والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم والرجوع إلى قولهم وتصديقهم فيما يدعونه. هذا كلام الخطابي وهو نفيس.
قال المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير عند شرح الحديث: وأفاد بقوله: (فصدقه) أن الغرض إن سأله معتقدا صدقه، فلو فعله استهزاء معتقدا كذبه فلا يلحقه الوعيد، ثم إنه لا تعارض بين ذا الخبر وما قبله، لأن المراد أن مصدق الكاهن إن اعتقد أنه يعلم الغيب كفر، وإن اعتقد أن الجن تلقي إليه ما سمعته من الملائكة وأنه بإلهام فصدقه من هذه الجهة لا يكفر. اهـ
وقال في موطن آخر من فيض القدير عند قوله صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنا فسأله عن شيء حجبت عنه التوبة أربعين ليلة، فإن صدقه بما قال كفر: تمسك به الخوارج على أصولهم الفاسدة في التكفير بالذنوب، ومذهب أهل السنة أنه لا يكفر، فمعناه قد كفر النعمة أي سترها، فإن اعتقد صدقه في دعواه الاطلاع على الغيب كفر حقيقة على ما مر بسطه.
وانظر الفتوى رقم: 14231.
والله أعلم.