السؤال
أرجو تفسير قوله تعالى "وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا. ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا"
وجزاكم الله خيرا.
أرجو تفسير قوله تعالى "وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا. ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا"
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذه الآية الكريمة: وإن كادوا ليفتنونك.. مثل قول الله تعالى: ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما {النساء:113}.
وسبب نزول الآية كما قال بعض أهل التفسير: أن قريشا قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- لا نمكنك من استلام الحجر (في الطواف بالبيت)، حتى تمس آلهتنا بيدك، فحدث نفسه بذلك وقال: ما علي لو فعلت، والله يعلم مني خلافه، فأنزل الله -تعالى- ردا على حديث النفس الذي جرى منه -صلى الله عليه وسلم- الآية المذكورة.
وقيل: كان سبب نزولها أن ثقيفا قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- لا ندخل في دينك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب، وذكر منها: لا ننحني في صلاتنا، وكل ربا لنا فهو لنا، وكل ربا علينا، فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة.. وذكروا غير ذلك من أسباب نزولها.
قال العلامة ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: وللمفسرين بضعة محامل أخرى لهذه الآية استقصاها القرطبي، فمنها ما ليس له حظ من القبول لوهن سنده وعدم انطباقه على معاني الآية، ومنها ما هو ضعيف السند وتتحمله الآية بتكلف، ومرجع ذلك إلى أن المشركين راودوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن لا يسويهم مع من يعدونهم منحطين عنهم من المؤمنين المستضعفين عندهم مثل: بلال، وعمار بن ياسر، وخباب، وصهيب، وأنهم وعدوا النبي إن هو فعل ذلك بأن يجلسوا إليه ويستمعوا القرآن حين لا يكون فيه تنقيص آلهتهم، وأن رسول الله هم بأن يظهر لهم بعض اللين رغبة في إقبالهم على سماع القرآن لعلهم يهتدون، فيكون المراد من (الذي أوحينا إليك): بعض الذي أوحينا إليك، وهو ما فيه فضل المؤمنين، أو ما فيه تنقيص الأصنام.. وإن رغبة النبي -صلى الله عليه وسلم- في اقترابهم من الإسلام وفي تأمين المسلمين، أجالت في خاطره أن يجيبهم إلى بعض ما دعوه إليه مما يرجع إلى تخفيف الإغلاظ عليهم أو إنظارهم أو إرضاء بعض أصحابه بالتخلي عن مجلسه حين يحضره صناديد المشركين وهو يعلم أنهم ينتدبون إلى ذلك لمصلحة الدين أو نحو ذلك مما فيه مصلحة لنشر الدين، وليس فيه فوات شيء على المسلمين، أي كادوا يصرفونك عن بعض ما أوحيناه إليك مما هو مخالف لما سألوه. اهـ.
ثم قال -رحمه الله- في معنى قول الله تعالى: ولولا أن ثبتناك.. والمعنى .. أن الركون مجمل في أشياء هي مظنة الركون ولكن الركون منتف من أصله لأجل التثبيت بالعصمة كما انتفى أن يفتنه المشركون عن الذي أوحي إليه بصرف الله إياهم عن تنفيذ فتنتهم.
(أو المعنى): ولولا أن عصمناك من الخطأ في الاجتهاد، وأريناك أن مصلحة الشدة في الدين والتنويه بأتباعه، ولو كانوا من ضعفاء أهل الدنيا، لا تعارضها مصلحة تأليف قلوب المشركين، ولو كان المسلمون راضين بالغضاضة من أنفسهم استئلافا للمشركين، فإن إظهار الهوادة في أمر الدين تطمع المشركين في الترقي إلى سؤال ما هو أبعد مدى مما سألوه، فمصلحة ملازمة موقف الحزم معهم أرجح من مصلحة ملاينتهم وموافقتهم. اهـ.
وقال البيضاوى: ..ولولا تثبيتنا إياك { لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا }، لقاربت أن تركن إليهم وتميل إلى اتباع مرادهم .. لقوة خداعهم وشدة احتيالهم، لكن أدركتك عصمتنا، فمنعت أن تقترب من الركون، فضلا عن أن تركن إليهم، وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما هم بإجابتهم مع قوة الدواعي إليها، ودليل على أن العصمة بتوفيق الله تعالى وحفظه. اهـ.
والله أعلم.