السؤال
أطلب من فضيلتكم شرحا سهلا ومفهوما للآية الآتية من سورة الممتحنة لأنني عند قراءتها وخاصة عند قول الله عز وجل: ..... يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي........ تنتابني بعض الخواطر والوساوس ولذا أطلب توضيحا في الموضوع حتى تذهب عني هذه الوساوس حفظنا الله وإياكم منها، وجزاكم الله الثواب والأجر ومن استفاد من هذا السؤال؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن معرفة سبب نزول هذه الآية يوضح بعض المراد منها، وسبب نزولها ما في الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادى بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله: يا حاطب ما هذا، قال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت أمرا ملصقا في قريش، قال سفيان كان حليفا لهم ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق، فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال: إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء.
فقد نهى الله تعالى أهل الإيمان في هذه الآية عن اتخاذ أعدائه وأعدائهم من الكفار أولياء يوالونهم ويلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأسراره بسبب المودة التي بينهم معهم، وعلل ذلك النهي عن موالاتهم وعن الإفضاء بالأسرار إليهم ما حصل من الكفار من التكذيب والكفر بما جاء من عند الله من الوحي وإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من ديارهم بمكة بغير حق بسبب كراهتهم لإيمانهم بالله ربهم الذي خلقهم لعبادته.
واعلم أن قوله تعالى أن تؤمنوا بالله ربكم ليس معمولا لقوله وإياكم ولا يفهم منه التحذير من الإيمان وإنما هو تعليل للإخراج، أي يخرجونكم لأجل إيمانكم، أو كراهة أن تؤمنوا.
وقوله: إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي جواب الشرط محذوف أي إن كنتم كذلك فلا تلقوا إليهم بالمودة، أو إن كنتم كذلك فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، وانتصاب جهادا وابتغاء على العلة: أي إن كنتم خرجتم لأجل الجهاد في سبيلي ولأجل ابتغاء مرضاتي.
وقوله تسرون إليهم بالمودة أي بالنصيحة، وأنا أعلم بما أخفيتم من المودة للكفار وما أعلنتم أي أظهرتم بألسنتكم، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل أي من يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء ويلقي إليهم بالمودة فقد أخطأ طريق الحق والصواب وضل عن قصد السبيل، قال ابن كثير في التفسير: وقوله تعالى: يخرجون الرسول وإياكم هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، ولهذا قال تعالى: أن تؤمنوا بالله ربكم أي لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين كقوله تعالى: وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، وكقوله تعالى: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، وقوله تعالى: إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي أي إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي أي إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء، إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم، فلا توالوا أعدائي وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقا عليكم وسخطا لدينكم.
والله أعلم.