الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يقوم به المسؤولون من توسعة بيت الإمام، عمل صالح يؤجرون عليه، لما في ذلك من إعانة الإمام على تأدية واجبه، والتوسعة عليه وعلى أهله، مما يعود بالمصلحة على المسجد وأهله.
وحيث وجدت أرض خالية بجانب المسجد يتعين أن تكون بها التوسعة ببناء بيت مستقل، أو إضافة إلى البيت الأول، ولا عبرة بكون ذلك مشوها لصورة المسجد، فإن المساجد لم توضع للزينة، على أنا لا نسلم بكون الإضافة الخارجية مؤدية لتشويه الصورة.
ولا شك أن التوسعة خارج المسجد مقدمة على كل صورة يؤخذ فيها من بناء المسجد القديم، احتراما للمسجد، وإبقاء على صورة الوقف.
وأما إن تعذر البناء من الخارج لعدم وجود أرض صالحة لذلك، وضاق بيت الإمام ضيقا لا يتسع له ولا لغيره، بحيث يخل براحته واستقراره، ووجد فاضل من فناء المسجد أو مرافقه غير المكان المعين للصلاة، جاز حينئذ أن يضاف شيء من هذا الفاضل إلى بيت الإمام.
وكذا لو وجد مصلى ملحق بالمسجد، لا تصلى فيه الصلوات الخمس، ولا يحتاج إليه المصلون -رجالا ونساء- الآن ولا في المستقبل المنظور، ولم يكن سبيل إلى توسعة بيت الإمام إلا بالأخذ منه؛ جاز ذلك.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى جواز تغيير صورة الوقف للمصلحة، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وله في ذلك كلام كثير ننقل طرفا منه. قال -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى ج31 ص 261: وأما تغيير صورة البناء من غير عدوان، فينظر في ذلك إلى المصلحة، فإن كانت هذه الصورة أصلح للوقف وأهله أقرت، وإن كانت إعادتها إلى ما كانت عليه أصلح أعيدت.
وإن كان بناء ذلك على صورة ثالثة أصلح للوقف بنيت. فيتبع في صورة البناء مصلحة الوقف، ويدار مع المصلحة حيث كانت. وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين ـ كعمر وعثمان ـ أنهما قد غيرا صورة الوقف للمصلحة، بل فعل عمر بن الخطاب ما هو أبلغ من ذلك، حيث حول مسجد الكوفة القديم فصار سوق التمارين، وبنى لهم مسجدا في مكان آخر. والله أعلم. اهـ.
وسئل: عن حقوق زاوية وهو بظاهرها، وقد أقيم فيها محراب منذ سنين، فرأى من له النظر على المكان المذكور المصلحة في بناء طبقة على ذلك المحراب، إما لسكن الإمام، أو لمن يخدم المكان من غير ضرورة تعود على المكان المذكور، ولا على أهله فهل يجوز ذلك؟
فأجاب: إذا لم يكن ذلك مسجدا معدا للصلوات الخمس، بل هو من حقوق المكان جاز أن يبنى فيه ما يكون من مصلحة المكان، ومجرد تصوير محراب لا يجعله مسجدا، لا سيما إذا كان المسجد المعد للصلوات، ففي البناء عليه نزاع بين العلماء. مجموع الفتاوى 31/7.
وفي مطالب أولي النهى ـ من كتب الحنابلة ـ 4/376: سئل الشيخ تقي الدين: فيمن بنى مسجدا لله، وأراد غيره أن يبني فوقه بيتا وقفا له، إما لينتفع بأجرته في المسجد، أو ليسكنه لإمامه، ويرون ذلك مصلحة للإمام أو للمسجد، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب: بأنه إذا كان مصلحة للمسجد، بحيث يكون ذلك أعون على ما شرعه الله ورسوله فيه من الإمامة والجماعة، وغير ذلك مما شرع في المساجد، فإنه ينبغي فعله، كما نص على ذلك ونحوه غير واحد من الأئمة. حتى سئل الإمام أحمد عن مسجد لاصق بالأرض فأرادوا أن يرفعوه، ويبنوا تحته سقاية، وهناك شيوخ فقالوا: نحن لا نستطيع الصعود إليه؟ فقال أحمد: ينظر ما أجمع عليه أكثرهم.
ولعل ذلك أن تغيير صورة المسجد وغيره من الوقف لمصلحة راجحة جائز، إذ ليس في المساجد ما هو معين بذاته، إلا البيت المعمور، وإلا المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، إذ هي من بناء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكانت كالمنصوص عليه، بخلاف المساجد التي بناها غيرهم، فإن الأمر فيها يتبع المصلحة، ولكن المصلحة تختلف باختلاف الأعصار والأمصار. انتهى.
فإذا جاز تغيير صورة الوقف ببناء بيت فوقه، فلأن يجوز استغلال ما زاد عن الحاجة، وعطلت فيه الصلاة من باب أولى.
وسئل شيخ الإسلام عن إعادة بناء مسجد قديم هدم، ورفعه عما كان عليه، وكان تحته خلوة، فعمل تحته بيتا لمصلحة المسجد فأجاب: الحمد لله. نعم يجوز أن يعمل في ذلك ما كان مصلحة للمسجد وأهله من تجديد عمارة، وتغيير العمارة من صورة إلى صورة ونحو ذلك. والله أعلم. مجموع الفتاوى: 31/209.
لكن حيث وجد سبيل للتوسعة من خارج المسجد، فليترك المصلى على حاله.
والله أعلم.