السؤال
إذا كان الإنسان غير مخير في مكان وزمان ومحيط مولده بما يترتب عليه مسبقا من قبل الله جل جلاله من تسخير الأقدار، فإذا كان الإنسان غير مخير بهذه المسائل التي تعتير من المسلمات ولا يحق لهذا المؤمن أن يعترض على ما كتب له ولا يسخط أو يصل لحالة اسمها الجزع من القدر والكينونة التي يحياها وعند السؤال عن هذا يأتي الجواب بأن هذه الحالة أو القدر الآتي هو أفضل وأسلم شيء وهبه الله لهذا الإنسان من أجل مصلحة ما أو حكمة ما يعلمها الله. فكيف يعلم هذا الإنسان البائس حكمة الله في هذا لكي يشعر بحالة من الرضا عن هذه المقدرات السماوية؟ وإن لم يقنع بكل ما هو مسلم به ويريد ويتمنى بأنه لو خلق (استغفر الله) في ظروف أخرى لكانت حالته أفضل!! لكن يأتي الجواب على أنه ربما تكون حالتك أسوأ !! لكن أحيانا هذا الإنسان يتقبل نقمة غضب الله سبحانه وتعالى من أجل أن يغير محيطه لمحيط أفضل حسب تقديراته الدنيوية أتمنى أن أحصل على توضيحات عن هذه المسائل؟ وأتمنى أن تكون واضحة ولا تكون مبهمة فلو قدر لنا أن نكون في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام لكنا سألناه عن ما يجول في خاطرنا حيث استثنيت من جميع الأسئلة السؤال عن الروح (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ولا تقولوا لي بأن الله يحاسب وبعسر من وهبه الكثير في الدنيا ... أو أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين عاما ..
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن جميع ما يحصل في هذا الكون حاصل بقضاء الله وقدره، وله في كل ذلك حكمة بالغة منه سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: إنا كل شيء خلقناه بقدر {القمر: 49}.
وفي حديث مسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
واعلم أن الإيمان بالقدر والرضا بما قدر الله أمر لابد منه للعبد، سواء فهم حكمة ذلك أم لا، وفي الحديث: لو كان لك مثل أحد ذهبا تنفقه في سبيل الله ما قبله منك حتى تؤمن بالقدر كله فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وأنك إن مت على غير هذا دخلت النار. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وفي الحديث: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس. رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني.
واعلم أنه يشرع للإنسان أن يسعى في تغيير حالته بالأسباب المشروعة، ومن أهم ذلك الدعاء، ففي حديث السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الحسن بن علي دعاء القنوت وفيه: وقني شر ما قضيت.
وفي حديث الصحيحين: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له.
وفي رواية الطبراني: ألا مقتر عليه رزقه ألا مظلوم يذكرني فأنصره ألا عان يدعوني فأعينه.
وعليك بشكر الله على ما أعطاك فهو سبب للمزيد، قال الله تعالى: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم {إبراهيم: 8}.
وعليك بالبعد عن المعاصي فهي سبب للحرمان، كما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وحسنه الألباني.
وأكثر من الاستغفار فقد وعد الله المستغفرين بالإمداد بالأموال والبنين، كما قال إخبارا عن نوح أنه قال: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا {نوح: 10-12}.
وعليك بالنظر فيما أسبغ الله عليك من النعم الظاهرة والباطنة، وتأمل في حال من هم دونك من المصابين بالأمراض والعاهات وأنواع الابتلاءات، وأحمد الله على العافية وقل الحمد لله الذي عافاني.
ففي الحديث: انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم. رواه مسلم.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 35549، 14836، 16833، 32933، 23586، 2795 9466، 18306، 19686، 9890.
والله أعلم.