السؤال
من المعلوم أن المؤمن يبشر بالجنة عند موته، وفي القبر بعد إجابته على الأسئلة بقوله: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، يرى منزلته في الجنة ويقول ربي أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي، فهل المسلم العاصي يبشر بالجنة عند موته كذلك، نأمل التفصيل في هذه المسألة بالأدلة لأنه كثر النقاش فيها بين طلبة العلم؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قال الله تعالى في بشارة المؤمن بالجنة: الذين تتوفاهم الملآئكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون {النحل:32}، وقال الله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون {فصلت:30}، وقال الله تعالى في تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام: فأما إن كان من المقربين* فروح وريحان وجنة نعيم* وأما إن كان من أصحاب اليمين* فسلام لك من أصحاب اليمين* وأما إن كان من المكذبين الضالين* فنزل من حميم* وتصلية جحيم {الواقعة}.
وما ذكر في فصلت والواقعة واضح ظاهر في بشرى المؤمن المستقيم، كما أن بشرى المكذب الضال بالنار ظاهر في سورة الواقعة، وما ذكر في سورة النحل واضح في بشارة الطيبين الطاهرين من الذنوب، كما أن بشارة النوع الثاني من أهل الإيمان -وهم أصحاب اليمين- بالسلامة واضح في سورة الواقعة أيضا.
وهذه السلامة المبشر بها تفيد سلامته من النار أوالعذاب، وقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن بعض العصاة يدخلون النار فترة حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة، كما في الحديث الصحيح.
وقد ذكر ابن القيم في الروح- بعد ذكر عدة بشائر وردت في القرآن الكريم للمؤمنين العاملين مبشرة لهم على أنواع من الأعمال عملوها- قال: وهذا في القرآن كثير مداره على ثلاث قواعد: إيمان وتقوى وعمل خالص لله على موافقة السنة، فأهل هذه الأصوال الثلاثة هم أهل البشرى دون من عداهم من سائر الخلق، وعليها دارت بشارات القرآن والسنة جميعها وهي تجتمع في أصلين: إخلاص في طاعة الله وإحسان إلى خلقه، وضدها يجتمع في الذين يراؤون ويمنعون الماعون...
وظاهر كلام ابن القيم في مدارج السالكين، أن البشرى لا ينالها من العصاة إلا من طيب ومحص بالاستغفار والتوبة الصادقة التامة أو بكثرة الحسنات الماحية للذنوب أو المصائب المكفرة، فإن محصته هذه الأربعة وخلصته كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يبشرونهم بالجنة، وكان من الذين تتنزل عليهم الملائكة عند الموت أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة، وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه وتطييبه محص في البرزخ بدعاء واستغفار وشفاعة أهل الإيمان الذين يصلون عليه صلاة الجنازة، وبفتنة القبر وما يهديه إليه إخوانه من الأعمال كالتصدق عنه والحج.
فإن لم تف هذه بالتمحيص محص في المحشر بأهوال القيامة وشدة الموقف وشفاعة الشفعاء وعفو الله، فإن لم تف هذه بتمحيصه فلا بد من دخول النار رحمة من الله في حقه حتى يطهر فيها وينقى، فإذا طيب فيها ومحص أخرج منها وأدخل الجنة، وبناء على ما ذكره ابن القيم وعلى ظواهر الآيات فلعل المسلم العاصي الذي لم تغفر ذنوبه ولم تكفر لا تناله البشرى عند الموت، والمسألة من المغيبات لا يمكن الجزم فيها بغير دليل.
وعلى كل منا أن يسعى في تزكية نفسه وطهارتها ويتوب توبة صادقة ويتخلص من حقوق الناس ويستقيم على الطاعة ويكثر من الأعمال الصالحة حتى يموت طاهرا نقيا من الذنوب سالما مما يؤدي به للعذاب في البرزخ أو الحشر أو النار، وعلينا أن نسعى في دعوة العصاة للإنابة إلى ربهم وتوبتهم له فنحاورهم ونرغبهم ونرهبهم ونراسلهم عبر وسائل الاتصال بالمقروء والمسموع مما يحض على التوبة والإنابة إلى الله، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 35391، 62141، 38289، 33697.
والله أعلم.