السؤال
أنا مسلم مهاجر بفرنسا منذ 3 سنوات , مؤخرا أصبت بلبس في عقيدتي و حيرة شديدتين أرجوكم مساعدتي
*عندما أفكر في مصير القوم الذين أعيش بينهم ومصيرالمسلمين العصاة أي الخلود في النار، كون هدا العبد لا يتجاوز عمره 100 سنة في حياته الدنيا وإن طال (فإذا أذنب عوقب بالخلود في النار )
*الحق سبحانه هو الحكم العدل فهو العدالة نفسها وهو الذي حرم الظلم على نفسه.
كيف أوازن بين الأمرين؟ عدالة الله منجهه ، وحكمه في العصاة الخلود في النار التي لا يطيقها بشر ولو ساعة من زمن. أريحوني جزاكم تالله
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلتعلم أولا أن عصاة المؤمنين لا يخلدون في النار، وإذا ماتوا قبل أن يتوبوا إلى الله تعالى فإن أمرهم إليه سبحانه وتعالى، إن شاء عذبهم بدخول النار واللبث فيها ما شاء الله، ولا بد أن يأتي يوم يخرج فيه جميع من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار، لما في الحديث: من قال لا إله إلا الله
نفعته يوما من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه. رواه الطبراني، وقال المنذري: رواته رواة الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ولما في حديث الصحيحين في الشفاعة لمن دخل النار أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول الله: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.
وإن شاء عفا عنهم من أول الأمر، فهم تحت مشيئته سبحانه وتعالى. قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء: 48} ولكن الذنوب التي لها تعلق بحق العباد لا بد من استيفائها لأصحابها أو إرضائهم من قبل الله عز وجل عن عباده الذين عليهم الحقوق.
وأما من أخلص التوبة لله تعالى فلا يتناوله الوعيد المذكور لأن الله تعالى يغفر ذنوبه جميعا بالتوبة النصوح وتواترت على ذلك نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
قال تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات {الشورى 25} وقال: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى {طه: 82}
وأما الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام وسمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمنوا به فهؤلاء مخلدون في النار في الآخرة إن ماتوا على كفرهم، فقد عاشوا حياتهم الدنيوية في كفر بالله تعالى فاستحقوا أن يعيشوا الحياة الأخروية كلها في عذاب الله، وهذا من تمام عدل الله تعالى، حيث لم يسو بين المسلم المقر بالتوحيد والنبوات الذي تقع منه المعاصي وبين الكافر المنكر لاستحقاق ربه الخالق العبودية والمنكر لرسالات رسله، وقد أشار بعض العلماء إلى الجواب عن نصوص الشبهة التي طرأت على الأخ السائل وحاصل الجواب أن الكفار لو عمروا ما عمروا فإنهم سيعيشون على الكفر، بل لو ردوا إلى الحياة رجعوا إلى ما كانوا عليه كما أخبر الله عز وجل عنهم بقوله: ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه {الأنعام: 28} ولذلك استحقوا ذلك الجزاء على وجه التأبيد، والأدلة على تأبيدهم في النار كثيرة، من ذلك قوله تعالى: إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها {البينة: 6} وقوله تعالى: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار {المائدة: 72} وحديث مسلم : والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث طويل: إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن تتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى من كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر أو غبرات أهل الكتاب، فيدعى اليهود فيقال لهم: من تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله فقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار.
ثم يدعى النصارى فيقال لهم من كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فكذلك مثل الأول. رواه البخاري ومسلم
وينبغي للمسلمين الذي عرفوا الإسلام وعرفوا مصير هؤلاء الكفار أن يحولوا قلقهم من مصير الكفار إلى عمل مثمر يفيدهم ويفيد الكفار، فينشطوا في دعوتهم إلى الله وبيان محاسن الإسلام لهم ويحدثوهم عن حياة الآخرة وأهوالها ونعيمها، وأن الإسلام هو الحل الوحيد للظفر بالسعادة في الدارين والأمن من العذاب، وأن يبينوا مثل ذلك للعصاة المؤمنين حتى يتوبوا وينيبوا إلى ربهم قبل الموت، وعليهم أن يستخدموا في ذلك ما تيسر من وسائل الإقناع العقلي والتأثير العاطفي فيرغبوهم ويرهبوهم ويحاوروهم ويجادلوهم بالتي هي أحسن، ويصبروا عليهم ويدعوا لهم ويرسلوا لهم رسائل مسموعة ومقروءة عبر وسائل الاتصال حتى يقرأها الواحد وهو منفرد بنفسه ويراجع نفسه في محتواها.
فإن أعظم ما يكسبه المسلم هو اهتداء شخص على يديه كما في حديث البخاري: لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29369، 43329، 46212.
والله أعلم.