السؤال
هل العارية والأمانة مضمونتان إن ضاعتا أو نقصتا ؟(مع الأدلة المتنوعة)وإن تم الاتفاق على إرجاعها إلى مكان ما، ثم أرجعتها إلى مكان قريب من ذلك أو بعيد، أو سلمتها لأحد ليعطيها إياه. فهل يجوز، وإن لم يردها فهل أنا آثم،أوسرقت مني
هل العارية والأمانة مضمونتان إن ضاعتا أو نقصتا ؟(مع الأدلة المتنوعة)وإن تم الاتفاق على إرجاعها إلى مكان ما، ثم أرجعتها إلى مكان قريب من ذلك أو بعيد، أو سلمتها لأحد ليعطيها إياه. فهل يجوز، وإن لم يردها فهل أنا آثم،أوسرقت مني
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقد اشتمل سؤالك على عدة أمور: الأمر الأول: ضمان العارية في حالة التلف أو التعيب: وقد اختلف أهل العلم في وجوب ذلك: فذهب الشافعي وأحمد إلى وجوب ضمانها على المستعير، سواء أتعدى في الاستعمال والحفظ، أم لم يتعد فيهما. قال ابن قدامة في المغني: يجب رد العارية إن كانت باقية بغير خلاف. ويجب ضمانها إذا كانت تالفة، تعدى فيها المستعير أو لم يتعد، روي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وإليه ذهب عطاء والشافعي وإسحاق. اهـ. لكن النقص الحاصل بسبب ما استعيرت له لا ضمان فيه لأن المعير آذن بالاستعمال وهذا طبعا ما لم يحصل تعد أو تفريط. قال ابن قدامة: إن تلف شيء من أجزائها التي لا تذهب بالاستعمال، فعليه ضمانها، لأن ما ضمن جملته ضمنت أجزاؤه، كالمغصوب، وأما أجزاؤها التي تذهب بالاستعمال، كحمل المنشفة والقطيفة، وخف الثوب يلبسه، ففيه وجهان: أحدهمان يجب ضمانه، لأنها أجزاء عين مضمونة، فكانت مضمونة، كما لو كانت مغصوبة، لأنها أجزاء يجب ضمانها لو تلفت العين قبل استعمالها، فتضمن إذا تلفت وحدها، كسائر الأجزاء. والثاني، لا يضمنها. وهو قول الشافعي لأن الإذن في الاستعمال تضمنه، فلا يجب ضمانه، كالمنافع، وكما لو أذن في إتلافها صريحا... فإذا قلنا: لا يضمن الأجزاء. فتلفت العين بعد ذهابها بالاستعمال، فإنها تقوم حال التلف، لأن الأجزاء التالفة تلفت غير مضمونة، لكونها مأذونا في إتلافها، فلا يجوز تقويمها عليه. وإن قلنا: يجب ضمان الأجزاء قومت العين قبل تلف أجزائها. اهـ. بل تلف العين عند الشافعية بسبب الاستعمال المأذون فيه لا ضمان فيه كما هوالحال في النقص، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: فإن تلفت هي أو أجزاؤها باستعمال مأذون فيه كاللبس والركوب المعتاد كل منهما لم يضمن الأجزاء والعين لحصول التلف بسبب مأذون فيه. وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يجب ضمانها إلا بالتعدي أو التفريط قال ابن قدامة في المغني: وقال الحسن والنخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز والثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي وابن شبرمة: هي أمانة لا يجب ضمانها إلا بالتعدي. اهـ. إلا أن المالكية يرون ضمان ما يمكن إخفاؤه إذا لم تقم البينة على التلف، قال الدردير في شرحه على خليل: وضمن المستعير المغيب عليه أي ما يغاب عليه، وهو ما يمكن إخفاؤه كالثياب، والحلي بخلاف الحيوان والعقار، وأما السفينة فإن كانت سائرة فمما يغاب عليه، وإن كانت بالمرسى فمما لا يغاب عليه. اهـ. ولعل الراجح هو المذهب الأول، لما رواه أبو داود عن صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين، فقال أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة. ولما رواه أبو داود والترمذي عن سمرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. ولأنه كما قال ابن قدامة: أخذ ملك غيره لنفع نفسه منفردا بنفعه من غير استحقاق ولا إذن في الإتلاف، فكان مضمونا، كالغصب والمأخوذ على وجه السوم. اهـ. والأمر الثاني: ضمان الوديعة في حالة التلف أو التعيب: وهي لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط، والتعدي معناه فعل ما لا يجوز ، والتفريط معناه ترك ما يجب. لما رواه البيهقي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المستودع ضمان. ولان المستودع متبرع في حفظ الأمانة، فلو لزمه الضمان لامتنع الناس من قبول الودائع، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: قال ابن القاص وغيره: كل مال تلف من يد أمين من غير تعد لا ضمان عليه. اهـ. وهناك رواية عن أحمد بوجوب الضمان، قال ابن قدامة في المغني: قال: وليس على مودع ضمان، إذا لم يتعد وجملته أن الوديعة أمانة، فإذا تلفت بغير تفريط من المودع، فليس عليه ضمان، سواء ذهب معها شيء من مال المودع أو لم يذهب. هذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن أبي بكر، وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم. وبه قال شريح والنخعي، ومالك وأبو الزناد والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وعن أحمد رواية أخرى، إن ذهبت الوديعة من بين ماله غرمها. اهـ. والأمر الثالث: الإخلال بالاتفاق على مكان الرد: وذلك لا يجوز في العارية لأن أخذها من مصلحة المستعير وعليه مؤونة ردها إلى المعير، والواجب هو ردها إلى المكان الذي أخذت منه ما لم يحصل الاتفاق على غيره. قال ابن قدامة في المغني: مؤونة الرد على المستعير: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: العارية مؤداة. وقوله: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. وعليه ردها إلى الموضع الذي أخذها منه، إلا أن يتفقا على ردها إلى غيره، لأن ما وجب رده لزم رده إلى موضعه كالمغصوب. اهـ. أما الوديعة فليس على المودع ( بالفتح) مؤونة على الرد بل على المودع ( بالكسر) فلا يلزم ردها إلى مكان غير مكانه المعتاد، لكن لو فعل ذلك من باب التطوع فحسن، قال ابن قدامة: وليس على المستودع مؤونة الرد وحملها إلى ربها إذا كانت مما لحمله مؤونة، قلت المؤونة أو كثرت لأنه قبض العين لمنفعة مالكها على الخصوص، فلم تلزمه الغرامة عليها، كما لو وكله في حفظها في ملك صاحبها، وإنما عليه التمكين من أخذها. وإن سافر بها بغير إذن ربها. فعليه ردها على بلدها ، لأنه أبعدها بغير إذن ربها، فلزمه ردها كالغاصب. اهـ. والأمر الرابع: إذا أعطيت العارية أو الوديعة لشخص آخر ليوصلها إلى صاحبها، فإذا كان ذلك برضا المالك فلا شيء عليك فيما يحصل لها من تلف أو تعيب، وإذا كان بغير أمره فأنت ضامن، فله أن يطالبك بها، ولك أن تطالب من أرسلتها معه إن حصل منه تعد أو تفريط ما لم يكن هذا الشخص من أهله ممن جرت العادة بحفظه للوديعة للمالك كزوجته على خلاف في ذلك بين أهل العلم، قال ابن قدامة في المغني: إن دفع الوديعة إلى من جرت عادته بحفظها له من أهله، كامرأته وغلامه، لم يضمن. نص عليه أحمد. وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي: يضمن: لأنه سلم الوديعة إلى من لم يرض به صاحبها، فضمنها، كما لو سلمها إلى أجنبي. وقال في العارية: إن ردها إلى من جرت عادته بجريان ذلك على يديه، كزوجته المتصرفة في ماله ورد الدابة إلى سائسها، فقياس المذهب أنه يبرأ. قاله القاضي، لأن أحمد قال في الوديعة: إذا سلمها المودع إلى امرأته، لم يضمنها. ولأنه مأذون في ذلك عرفا، أشبه ما لو أذن فيه نطقا. اهـ. والأمر الخامس: إذا سرقت الوديعة أو العارية: والأمر في ذلك راجع إلى ما سبق من خلاف وتفصيل في ضمان العارية والوديعة.