الغش في التقرير الطبي للحصول على الوظيفة

0 307

السؤال

أرجو منكم التمعن في هذا السؤال قبل الإجابة: موظف حكومي يعمل كمدقق حسابات في وزارة الدفاع له الآن على رأس العمل سنه وسبعة أشهر وهو الآن بدر في نفسه شيء من الشك في شرعية الراتب الذي يستلمه للسبب التالي: أن هذا الموظف ضعيف البصر وعندما التحق بالوظيفة الحكومية وعند قيامه بإجراءات التسجيل في الوظيفة كانت كل المؤهلات التي يمتلكها تؤهله لشغل هذه الوظيفة فهو خريج جامعي وبدرجات عالية وصحته من الناحية الطبية جيدة (لائق طبيا) ولكن مشكلته الوحيدة ضعف البصر، وعندما قام بالإجراءات الطبية قام الطبيب تعاطفا مع مشكلته بتسجيل درجة بصره بأعلى من الدرجة الحقيقية مساعدة له على القبول وكان الموظف راضيا متقبلا لإجراء الطبيب حيث لو سجلت الدرجة الحقيقية فإن من المحتمل وبشكل كبير أن يرفض من القبول في الوظيفة الحكومية (مشكلة هذا الموظف أنه ظل يبحث عن وظيفة في شركات كثيرة لفترة من الزمن وكل ما ذهب إلى شركة رفضته بسبب مشكلة ضعف البصر على الرغم أنه قادر على أداء عمله كمحاسب أو مدقق حسابات من الناحية الفعليه كأي شخص عادي وكذلك ممارسة حياته البصرية بشكل عادي جدا من التعامل مع الحاسوب مثلا أو مشاهدة التلفاز أو أي نشاط بصري عادي) فهذا الموظف الآن في حيرة من أمره حيث يدور في نفسه أمران:
1- أن الراتب الذي يأخذه الآن غير شرعي بسبب أنه لم يسجل البيانات الحقيقية عن بصره في التقرير الطبي للوظيفة الحكومية عندما التحق بالوظيفة قبل سنة وسبعة أشهر.
2- أن الراتب الذي يأخذه شرعي وذلك لقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) حيث إن هذا الموظف اضطر إلى ذلك لكي يقبل في الوظيفة وأنه لم يغش الدولة (لماذا؟)... لأنه قادر من الناحية العملية والفعلية على شغل الوظيفة المتقدم لها وأن التقارير الطبية الصحيحة تقول (إنه يعاني من ضعف شديد في الإبصار) مما يوحي بأن هذا الشخص عاجز عن التعامل مع الأرقام والحسابات وتدقيقها (عكس الواقع) مما يؤدي الى رفضه من القبول وبالتالي تعرضه للظلم (عندما يرفض شخص من وظيفة هو قادر على أداءها من الناحية الفعلية بسبب بيانات على ورقة طبية تقول إنه عاجز عن أداءها) وأن الدولة عندما طلبت التقرير الطبي فإنها تريد من ذلك معرفة هل الشخص المتقدم للوظيفة قادر على شغلها من الناحية الطبية أم لا؟ وهذا الموظف قادر على شغل هذه الوظيفة طبيا من الناحية الفعلية على عكس ما تعكسه التقارير الطبية الصحيحة... إذن فهو يستحق الوظيفة هذه من الناحية الفعلية، والموظف هذا الآن له سنه وسبعة أشهر ولم يشتك من تعب أو صعوبة في التعامل مع الأرقام وتدقيق الحسابات بل إنه يعمل بشكل طبيعي جدا ويؤدي عمله بكفاءة وبشهادة جميع زملاءه في العمل مثله مثل أي شخص عادي، فإذا كان هذا العمل الذي قام به غير شرعي فماذا تشيرون عليه أن يعمل؟ هل يترك الوظيفة هذه ويبحث عن وظيفة أخرى مستخدما البيانات الحقيقة لبصره، أم أن الضرورة تبيح المحظور حيث إنه كان مضطرا لتسجيل بيانات غير حقيقية ليأخذ فرصته في إثبات أن البيانات الورقية الطبية الحقيقية لا تعطي صورة صادقة عن قدرة هذا الموظف في شغل وظيفته ويتحصل على مصدر رزق لطالما حكم عليه الناس أنه غير قادر على تحمل مسؤوليته مع أنه قادر فعليا على تحملها؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالغش والخديعة خلقان محرمان مذمومان لا يتصف بهما المؤمن الذي يخاف ربه، ولا يجوز له أن يزاولهما، أخرج مسلم في صحيحه من أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ...من غش فليس مني. وأخرجابن حبان في صحيحه والطبراني في معجمه الكبير من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار.

وهذا يعم كل غش وكل خديعة وكل مكر في أي مجال كان، وفي حق أي شخص كما يتبين من ألفاظ الحديث، ومما يزيد هذه الأخلاق قبحا أنها من صفات المنافقين المميزة لهم، كما قال الله تعالى: يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون {البقرة:9}.

والواجب عليك الآن هو التوبة النصوح مما مضى، وعقد العزم على ألا تعود إليه في المستقبل، فالله تعالى يقبل توبة التائبين، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فإذا تبت إلى الله تعالى وتابعت عملك بالطريقة الصحيحة وتطبيق ما اتفقت عليه مع الوزارة وكنت حقا تأتي بالعمل المطلوب منك دون نقص فما نتج عن العمل بها من المال حلال إن شاء الله تعالى إذا سلم من الموانع الأخرى، ولا يؤثر عليه الغش الذي سبقت التوبة النصوح منه.

وننبه السائل إلى أن مجرد الحصول على عمل لا يعد ضرورة مبيحة لارتكاب المحرم، ولكن الضرورة هي ما يغلب على الظن وقوع المرء بسببه في الهلكة، أو أن تلحقه بسببه مشقة لا تحتمل، أو لا يتمكن المرء معها من تحقيق الحد الأدنى من حياة الفقراء، والضرورة تقدر بقدرها، قال الله تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه  {الأنعام:119}، وقال الله تعالى: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . {البقرة:173}، وراجع الفتوى رقم: 8731.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى