السؤال
كيف يعاشر المسلم أهله بالمعروف؟وهل يجب على المسلم أن يجامع أهله كلما رغبت أم يرجع ذلك إلى ظروفه وعدم انشغاله ؟هل من السنة مداعبة المرأة و إيناسها أم لا ؟ و بماذا تنصحون الزوج الذي ينشغل عن أهله بطلب علم أو بالعمل أو بأي شيء آخر و لا يأتي أهله إلا عند قضاء حاجته أو بعد مدة معينة وقد تكون زوجته بحاجة إليه .. فأيهما أولى قضاء حوائجه أم إعفاف أهله ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن للزواج في الإسلام مقاصد عظيمة، من أهمها إعفاف كل من الزوجين للآخر، ويجب على الزوج معاشرة زوجته - بما في ذلك الجماع - لتحقيق ذلك، وأدنى ذلك أن يطأها مرة كل طهر إن استطاع، فمعاشرة الزوجة بالمعروف واجبة، لقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء: 19].
قال الجصاص: "أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)". انتهى.
والرجل مأجور بإتيانه أهله، ولو لم يكن له شهوة في ذلك، قال ابن قدامة: سئل أحمد: يؤجر الرجل أن يأتي أهله وليس له شهوة؟ فقال: إي والله يحتسب الولد، وإن لم يرد الولد، يقول: هذه امرأة شابة لم لا يؤجر؟! انتهى.
وعليه أن يتزين لزوجته بما يناسب رجولته، فإن المرأة يعجبها من زوجها ما يعجبه منها. وقد فهم ذلك ابن عباس رضي الله عنهما من قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) فقال: (إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي).
وقال القرطبي في الآية المذكورة: والمقصود أن يكون عند امرأته زينة تسرها وتعفها عن غيره من الرجال.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان جميل المعاشرة لنسائه، دائم البشر معهن، يداعبهن ويلاطفهن ويضاحكهن، حتى إنه كان يسابق عائشة يتودد إليها بذلك، وكان ربما خرج من بيته إلى الصلاة فيقبل إحداهن، وحث أصحابه على ملاطفة النساء، فقال لجابر رضي الله عنه ـ كما في الصحيحين ـ : "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك".
وأخرج النسائي عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك ـ أي حائض ـ وكان يأخذ العـرق فيقسم علي فيه فأعترق منه، ثم أضعه، فيأخذه فيتعرق منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العـرق، ويدعو بالشراب فيقسم علي فيه من قبل أن يشرب منه فآخذه، فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح" رواه النسائي وأصل الحديث في مسلم.
والعـرق (بفتح العين وسكون الراء): العظم الذي أخذ عنه معظم اللحم.
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا".
وعلى الزوج أن يعلم أن ملاطفته لزوجته، ومداعبته لها، ومؤانسته إياها، كل ذلك مما يمد الحياة الزوجية بالسعادة، وفقدان ذلك ربما أدى إلى خسران السعادة الزوجية والحياة البيتية.
فإن كان الرجل مشغولا بعمله، أو نوافل العبادات، أو بطلب العلم ونحوه من الأمور المحمودة، فعليه أن يوازن بين الحقوق المتعددة، ومنها حق الأهل، فكما لا يجوز للمرأة أن تشتغل بنوافل العبادات عن حقوق زوجها، فكذلك لا يجوز للزوج أن يفعل من ذلك ما يكون سببا في عجزه عن أداء حق زوجته. قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة: 228].
وأخرج أبو داود وأحمد واللفظ له عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة، وكانت عند عثمان بن مظعون، قالت: فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاذة هيئتها، فقال لي : "يا عائشة ما أبذ هيئة خويلة" قالت، فقلت: يا رسول الله: امرأة لها زوج يصوم النهار ويقوم الليل فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها" قالت: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال: "يا عثمان أرغبة عن سنتي؟ فقال: لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب. قال: "فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر وصل ونم"
فعلى الزوج أن يراعي تلك الحقوق، ولا يغلب جانبا على آخر، ولا يعيش في أنانية يطلب حقوقه، ولا يشعر بالطرف الآخر.
ومما يجدر التنبه له أن على الزوجة أن تتودد إلى زوجها، ويتأكد ذلك حين ترى منه جفوة، وذلك لعظم حق الزوج عليها، بل إنها تستطيع بهذا التودد أن تؤثر عليه بالحديث المؤثر والمؤانسة العذبة والمداعبة اللطيفة، والتزين له بكل ما يجذبه إليها، فذلك من أسباب الألفة والمودة، فقد تكون المرأة مشغولة بصحبتها وأولادها، فتكون بذلة الثياب، أو كثيرة الشكوى والتضجر، أو ضيقة الصدر، أو لا تحسن التودد إلى زوجها، فتصرف زوجها عنها من حيث لا تشعر، وقد حث الشارع المرأة على الزينة لزوجها لأهمية ذلك وأثره في التحابب بين الزوجين. والله أعلم.