السؤال
ما حكم ترك الرجل لزوجته والعمل في دولة عربية لمدة عشر سنوات بدون النزول نهائيا لها وهل تعتبر الزوجة طالقا أم لا مع العلم أنه يرسل لها مبلغا بسيطا شهريا ويتصل بها علي فترات ويسافر للنزهة إلي بلاد أخرى ويعود للعمل بدون الذهاب إل الزوجة وللعلم يوجد بنتان لديهما مع الأم ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن ترك الرجل زوجته هذه الفترة الطويلة مع إمكان سفره إليها وسفره للنزهة في بلاد أخرى من تضييع الحقوق ولا شك أن فعله هذا مناف أشد المنافاة لقوله تعالى : وعاشروهن بالمعروف {النساء: 19 } وهو آثم بذلك ولكن مجرد غياب الرجل عن زوجته ليس طلاقا . ومن حق المرأة إن تضررت بغياب زوجها وخشيت على نفسها الوقوع في الفاحشة أن تطالب برجوعه أو الطلاق، فإن رفض رفعت أمرها إلى القاضي ليفرق بينهما وهذا هو مذهب المالكية وهو الذي نراه راجحا ، وفيه علاج لكثير من التعنت الذي يفعله بعض الأزواج ، وقد ذكر أصحاب الموسوعة الفقهية الكويتية مذاهب أهل العلم في التفريق بين الزوجين بسبب الغيبة ونحن نورد كلامهم هنا لمزيد الفائدة قالوا : وقد اختلف الفقهاء في زوجة الغائب والمفقود والمحبوس إذا طلبت التفريق لذلك هل تجاب إلى طلبها ؟ على أقوال بيانها فيما يلي : اختلف الفقهاء في جواز التفريق للغيبة على أقوال مبناها اختلافهم في حكم استدامة الوطء ، أهو حق للزوجة مثل ما هو حق للزوج ؟ فذهب الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة في قول القاضي إلى أن دوام الوطء قضاء حق للرجل فقط وليس للزوجة فيه حق ، فإذا ما ترك الزوج وطء زوجته مدة لم يكن ظالما لها أمام القاضي سواء أكان في ذلك حاضرا أم غائبا ، طالت غيبته أم لا ، لأن حقها في الوطء قضاء ينقضي بالمرة الواحدة ، فإذا استوفتها لم يعد لها في الوطء حق في القضاء ، وعلى هذا فإذا غاب الزوج عن زوجته مدة ما مهما طالت وترك لها ما تنفق منه على نفسها لم يكن لها حق طلب التفريق لذلك إلا أن الحنابلة في قولهم هذا قيدوا عدم وجوب الوطء بعدم قصد الإضرار بالزوجة فإذا قصد بذلك الإضرار بها عوقب وعزر لاختلال شرط سقوط الوجوب .
وذهب الحنابلة في قولهم الثاني وهو الأظهر إلى أن استدامة الوطء واجب للزوجة على زوجها قضاء ما لم يكن بالزوج عذر مانع من ذلك كمرض أو غيره ، وعلى هذا فإذا غاب الزوج عن زوجته مدة بغير عذر كان لها طلب التفريق منه فإذا كان تركه بعذر لم يكن لها ذلك .
أما المالكية فقد ذهبوا إلى أن استدامة الوطء حق للزوجة مطلقا، وعلى ذلك فإن الرجل إذا غاب عن زوجته مدة كان لها طلب التفريق منه سواء أكان سفره هذا لعذر أم لغير عذر ، لأن حقها في الوطء واجب مطلقا عندهم . اهــ
ثم ذكر أصحاب الموسوعة شروط التفريق بالغيبة عند من قال بها فقالوا: يشترط في الغيبة ليثبت التفريق بها للزوجة شروط ، وهي :
أــــ أن تكون غيبة طويلة ، وقد اختلف الفقهاء في مدتها : فذهب الحنابلة إلى أن الزوج إذا غاب عن زوجته مدة ستة أشهر فأكثر كان لها طلب التفريق عليه إذا تحققت الشروط الأخرى . وذهب المالكية في المعتمد عندهم إلى أنها سنة فأكثر .
ب ـــــ أن تخشى الزوجة على نفسها الضرر بسبب هذه الغيبة والضرر هنا هو خشية الوقوع في الزنى كما نص عليه المالكية ، وليس اشتهاء الجماع فقط ، والحنابلة وإن أطلقوا الضرر هنا إلا أنهم يريدون به خشية الزنى كالمالكية ، إلا أن هذا الضرر يثبت بقول الزوجة وحدها لأنه لا يعرف إلا منها إلا أن يكذبها ظاهر الحال .
ج ـــ أن تكون الغيبة لغير عذر ، فإن كانت لعذر كالحج والتجارة وطلب العلم لم يكن لها طلب التفريق عند الحنابلة . أما المالكية فلا يشترطون ذلك كما تقدم ، ولهذا يكون لها حق طلب التفريق عندهم إذا طالت غيبته لعذر أو غير عذر على سواء.
د ــــ أن يكتب القاضي إليه بالرجوع إليها أو نقلها إليه أو تطليقها ويمهله مدة مناسبة ، إذا كان له عنوان معروف فإن عاد إليها أو نقلها إليه أو طلقها فبها ، وإن أبدى عذرا لغيابه لم يفرق عليه عند الحنابلة دون المالكية ، وإن أبى ذلك كله ، أو لم يرد بشيء وقد انقضت المدة المضروبة أو لم يكن له عنوان معروف أو كان عنوانه لا تصل الرسائل إليه طلق القاضي عليه بطلبها . اهـ
والذي نرى الفتوى به في جميع هذه الفروع هو مذهب المالكية لما ذكرنا سابقا .
والله أعلم .