السؤال
هل الرسول معصوم من الصغائر؟ وما هي عقيدة السلف في ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد اتفقت الأمة على أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة، فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، إلا شيئا قد نسخ، وقد تكفل الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرئه فلا ينسى، إلا شيئا أراد الله أن ينسيه إياه، وتكفل له بأن يجمع له القرآن في صدره، قال تعالى: سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله {الأعلى:6-7}، وقال تعالى: إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه {القيامة:17-18}.
فهم معصومون في التبليغ عن رب العزة سبحانه وتعالى، ولا يكتمون شيئا مما أوحاه الله إليهم، قال تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين {المائدة:67}.
وهم معصومون أيضا من الوقوع في الكبائر.
وأما الصغائر، فأكثر علماء الإسلام على أنهم ليسوا بمعصومين منها، وإذا وقعت منهم، فإنهم لا يقرون عليها، قال ابن تيمية: القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدى أن هذا قول الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير، والحديث، والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف، والأئمة، والصحابة، والتابعين، وتابعيهم، إلا ما يوافق هذا القول.
والدليل على وقوع الصغائر منهم، مع عدم إقرارهم عليها:
- قوله تعالى عن آدم: وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى {طه:121-122}، وهذا دليل على وقوع المعصية من آدم، وعدم إقراره عليها، مع توبته إلى الله منها.
- قوله تعالى: قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين * قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم {القصص:15-16}، فموسى اعترف بذنبه، وطلب المغفرة من الله بعد قتله القبطي، وقد غفر الله له ذنبه.
- وقوله تعالى: فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب {ص:24-25}، وكانت معصية داود، هي التسرع في الحكم قبل أن يسمع من الخصم الثاني.
وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يعاتبه ربه سبحانه وتعالى في أمور ذكرت في القرآن، منها:
قوله تعالى: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم {التحريم:1}.
وكذا عاتبه في الأسرى، وفي خبر ابن أم مكتوم.
وقد يستعظم بعض الناس مثل هذا، ويذهبون إلى تأويل النصوص من الكتاب والسنة الدالة على هذا، ويحرفونها، والدافع لهم إلى هذا القول شبهتان:
الأولى: أن الله تعالى أمر باتباع الرسل، والتأسي بهم، والأمر باتباعهم، يستلزم أن يكون كل ما صدر عنهم محلا للاتباع، وأن كل فعل، أو اعتقاد منهم طاعة، ولو جاز أن يقع الرسول في معصية، لحصل التناقض؛ لأن ذلك يقتضي أن يجتمع في هذه المعصية التي وقعت من الرسول، الأمر باتباعها، وفعلها، من حيث إننا مأمورون بالتأسي به، والنهى عن موافقتها، من حيث كونها معصية.
وهذه الشبهة صحيحة، وفي محلها، لو كانت المعصية خافية غير ظاهرة، بحيث تختلط بالطاعة، ولكن الله تعالى ينبه رسله، ويبين لهم المخالفة، ويوفقهم إلى التوبة منها، من غير تأخير.
الثانية: أن الذنوب تنافي الكمال، وأنها نقص.
وهذا صحيح، إن لم يصاحبها توبة، فإن التوبة تغفر الحوبة، ولا تنافي الكمال، ولا يتوجه إلى صاحبها اللوم، بل إن العبد في كثير من الأحيان يكون بعد توبته خيرا منه قبل وقوعه في المعصية، كما نقل عن بعض السلف: كان داود -عليه السلام- بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة. وقال آخر: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه، لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.
ومعلوم أنه لم يقع ذنب من نبي، إلا وقد سارع إلى التوبة، والاستغفار، فالأنبياء لا يقرون على ذنب، ولا يؤخرون توبة، فالله عصمهم من ذلك، وهم بعد التوبة أكمل منهم قبلها.
والله أعلم.