السؤال
لماذا تمنعون من دخول الحائض المسجد، أليس قد قال ابن عباس: "لا يصح لأحد أن يقرب الصلاة" ومن لازم المسجد وهو جنب إلا بعد الاغتسال إلا المسافر فإنه يتيمم" وقال به النووي والشافعي، وبهذا قال أبو حنيفة والنووي وابن راهويه وهو رواية عن أحمد: أما إذا أراد الجنب دخول المسجد فعليه أن يتيمم، وقال الجمهور من العلماء: يجوز لمن عليه جنابة دخول المسجد للحاجة مطلقا، واستدلوا بحديث أبي هريرة المتفق عليه لما سأله الرسول – صلى الله عليه وسلم - عندما افتقده، فقال: يا رسول الله إني كنت نجسا قد أجنبت، فقال له الرسول (إن المسلم لا ينجس) قال ابن المنذر: وبه نقول. فأنكر على أبي هريرة اعتزاله المسجد، وحضور مجلس العلم بعلة الجنابة، وبين له أن المسلم لا ينجس.
ومعلوم أن الكافر المشرك يجوز له دخول المساجد كلها إلا المسجد الحرام؛ لقوله تعالى "إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا..." وبوب البخاري في صحيحه: (باب دخول المشرك المسجد) وساق فيه حديث ثمامة بن أثال لما ربطه الرسول –صلى الله عليه وسلم- في سواري المسجد، ولا يكاد يجهل أحد أن المشركين كانوا يغدون على الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد لغرض الإسلام أو لتبليغ رسالة إليه، أو لغرض المجادلة والحاجة كما حصل من وفد نصارى نجران، فقد بقوا أياما ضربوا أخبيتهم في جانب من المسجد، بل كان نصارى الحبشة يلعبون فيه بالحراب بمرأى ومسمع من الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فإذا جاز هذا مع المشرك النجس مهما تطهر وتنظف فكيف لا يجوز للحائض والجنب المسلمين دخول المسجد لسماع المواعظ والتذكير وتعلم القرآن وتعليمه، وإذا جاز للجنب ومن في حكمه -كالحائض- المرور بالمسجد للحاجة الخاصة من نوم أو استظلال وراحة فدخولهما له لغرض طلب العلم أو تعليمه من باب أولى.
-وحدث الحيض كحدث الجنابة في الجملة- فلا تصح الصلاة من الحائض والجنب ما داما متلبسين به، ودليل هذا في الجنب آية النساء السابق ذكرها، ودليل عدم صلاة الحائض قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فإذا أقبلت حيضتك تدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك وصلي). وتأسيسا على ما سبق فإن الجنب والحائض على وجه الخصوص لا يجوز منعهما من دخول المسجد لسماع المواعظ وحضور الدروس والندوات والمحاضرات العلمية النافعة، ومنع الحائض من ذلك قد يسبب لها نسيان ما حفظته من القرآن، ويحرمها من طلب العلم النافع علاوة على ما فيه من كسر خاطرها، وكبح همم وعزائم ذوات النبوغ من النساء، ثم إذا أبيح للجنب دخول المسجد للحاجة كما لو كان في سفر (إلا عابري سبيل... ) فإن الحائض أشد منه حاجة، كأن يطلبها عدو لأخذ مالها أو التحرش بها جنسيا فلها أن تدخل المسجد وتمكث فيه، والقاعدة الشرعية تقول: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عند الانتفاء)، وطلب العلم في المسجد إن لم يكن بالفعل فرض عين تدعو إليه الضرورة لإحياء رسالة المسجد للمسلمين جميعا، فلا أقل أن يكون حاجة تنزل منزلة الضرورة، وإذا كانت العلة من منع الحائض من دخول المسجد والمكث فيه للحاجة عند من يقول بالمنع هي خوف تلويثه بالنجاسة (الدم) فإن وسائل النظافة والتحفظ عند النساء اليوم أكثر منه في زمان مضى، حيث تتحفظ المرأة في بيتها -فضلا عن المسجد- لا يلحق الدم مهما عظم شيئا من ملابسها، ثم إن المستحاضة (غير الحائض) تصوم وتصلي وتشهد مجامع الخير ولو خرج منها الدم، فقد جاء في صحيح البخاري من حديث عائشة، قالت: "اعتكف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم، فربما وضعت الطست تحتها من الدم" فإن كانت علة المنع للحائض هي التلويث للمسجد فهي نفسها في دم الاستحاضة، وليست مساجدنا بأفضل من مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بل حاجة نساء اليوم إلى طلب العلم الشرعي وتوخي سبله النافعة -أشد من حاجة نساء الأمس وأمهات المؤمنين خاصة- وثبت من حديث أم عطية في الصحيحين أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العيدين أن نخرج العواتق والحيض ليشهدن الخير ودعوة المسلمين ويجتنبن الحيض المصلى. فكأن اجتناب النساء الحيض للمصلى مخافة التلويث بالدم النجس، وسبق أن أجبنا عن هذه العلة المدعاة، أما التعليل في خروجهن إلى صلاة العيدين فقد نص عليه بالحديث (ليشهدن الخير ودعوة المسلمين) من سماع الخطبة والموعظة والتأمين على الدعاء ونحو ذلك، وهذا هو عين الموجود في الدروس العلمية المقامة في المسجد من الرجال والنساء طوال العام، وفي شتى الفنون العلمية النافعة. ثم إن منع الحيض من حضور مثل هذه الدروس والحلقات العلمية لا يتفق مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات" أي بثياب العادة دون زينة أو طيب، لقد أرسلت هذا السؤال من قبل ولكنكم لم تعيروه اهتماما؟