0 348

السؤال

أشكركم مقدما على جهودكم من أجل خير المسلمين وأرجو أن يتسع صدركم لمشكلتي، فأنا رجل متزوج ولي أولاد وأبلغ من العمر 50 سنة، كنت بصدد شراء قطعة أرض صغيرة من زوج أختي لغرض بناء بيت لأسرتي عليها وهو الذي يمتلك مزرعة وذلك بمباركة من أبناء وبنات أختي وكامل الأسرة، كان ذلك قبل اثنتي عشرة سنة، وكان هو يبيع قطعا أخرى في ذلك الوقت بسبب ضيقه المالي، وقد أتممنا عقد تنازل عن الأرض أمام شهود وأمام مختار المحلة غير مذكور فيه أي مبلغ وهي الصيغة المتعارف عليها في البلاد، وتحصلت على علم وخبر بالحيازة والتصرف وعلم وخبر بالملكية وكل ما تبقى من المستندات التي تسمح بتسجيلها في التسجيل العقاري حيث أودعت ملفا بالخصوص، وهذا في العادة يأخذ وقتا طويلا جدا ليتم، وقد فوجئت بعد إتمام المستندات اللازمة بأنه وجد أن ثمن الأرض زهيد لدرجة أنه لم يرد أن يأخذ مقابلا على هذه القطعة، حيث إن المبلغ لا يساعده في شيء وقال من الأفضل أن أتركها هبة لك دون أن يكون عقد التنازل مشيرا إلى ذلك، وقد حاولت كثيرا أن أدفع له، ولكنه أصر وقال إن علاقتنا أسمى من ذلك، وحيث إن هذه القطعة هي في الحقيقة جزء من المزرعة التي كان يسكنها زوج أختي وأفراد أسرته فلم أشأ أن أضع سياجا أو سورا حولها بل تركتها دون فصل إلى حين أن أقرر البدء في البناء، وهكذا كان فبعد ثلاث سنوات من تاريخ التنازل باشرت العمل على بناء السور حيث كنت بصدد بناء بيت لي ولأسرتي، وفوجئت بزوج أختي وأبنائه يتعرضون لعمال البناء ويوقفونهم عن العمل ويقولون إنهم تراجعوا في منحها هبة لي (وكان ذلك لأن أسعار الأراضي قفزت بشكل غريب حيث أصبح سعر القطعة مضاعفا عدة آلاف في المئة؟) ومنذ تلك الفترة وأنا أحاول أن أجد حلا معهم ولكن أسعار الأراضي استمرت ولازالت تستمر في الارتفاع وهو ما يجعلهم يرفضون كل الحلول، مع العلم بأنهم قد هدموا السور الذي بنيته حول قطعة الأرض وأقاموا عليها محطة غسيل سيارات يقومون بتأجيره، ولقد قرأت كل ما هو موجود في أحكام الهبة ولم أستطع أن أفهم بوضوح هل ألتجئ إلى القضاء إذا كان الشرع يجيز لي أم أن وجود صاحب الشأن وهو على قيد الحياة يجعل له الحق في الرجوع عن الهبة مع العلم بأنني لا أستطيع أن أسكن في أرض فضاء كهذه لأثبت ملكيتها إلا بعد البناء عليها وهذا أصبح الآن غير ممكن إلا بأمر القضاء، فأطلب رأيكم في هل له الحق في استرداد قطعة الأرض، وهل علي إثم إذا انتزعتها منه بقوة القانون الوضعي الذي يسمح لي بالمستندات المتوفرة أن أنتزعها منه؟ ووفقكم الله إلى ما فيه الخير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبه بداية إلى أن السؤال فيه بعض الغموض وسنجيب في حدود ما فهمنا منه والذي فهمناه أن زوج أختك بداية باعك الأرض دون أن يحدد لها ثمنا، ثم عندما علم بأن السعر الذي ستدفعه زهيد فضل أن يهب لك الأرض، فإذا كان الأمر كذلك فإن عقد البيع لا يصح نظرا لما فيه من الجهالة، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: فلا بد من كون الثمن والمثمن معلومين للبائع والمشتري وإلا فسد البيع. وقال ابن عابدين: وشرط الصحة معرفة قدر مبيع وثمن.

وما جرى بعد ذلك من هبته الأرض لك فإنه لا يصح شرعا إلا بشرطين:

الأول: أن يكون قد وهبك هذه الأرض باختياره وكامل حريته دون أن تكون قد ألجأته لذلك بسيف الحياء.

الثاني: أن تكون قد حزت هذه الأرض الحيازة الشرعية، بمعنى أن يكون قد خلى بينك وبينها ورفع يده عنها، وراجع الفتوى رقم: 58686.

فإذا توفر هذان الشرطان فقد صحت الهبة ولزمت، سواء بقي زوج أختك على قيد الحياة أم لا، ولا يجوز له أو لورثته الرجوع فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه. متفق عليه، وراجع الفتوى رقم: 13302.

ولك أن تراجع في هذه الحالة القضاء للتوصل إلى حقك، وإن وسطت أحد أهل الخير ليتوسط بينك وبينه ويحل المشكلة حلا شرعيا فهو أولى لما في ذلك من تأليف القلوب والمحافظة على شمل الأسرة ودرء خطر القطيعة عنها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة