الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن هذا السؤال قد اشتمل على ثلاث شبه وسؤال وقبل الإجابة عليها ننبه الأخت السائلة إلى الحذر من مناقشة الملحدين إلا إذا كانت مؤهلة لذلك تأهيلا يجعلها قادرة على كشف شبهاتهم وإبطالها ، وإلا عادت هذه المناقشات عليها بالخسران إذا انطلت عليها شبهاتهم وتشربها قلبها ، ولهذا كان السلف الصالح يحذرون من مجالسة أهل الأهواء والضلال ، وللمزيد من الفائدة راجعي الفتوى رقم : 66840 .
وأما الجواب على ما تضمنه السؤال : فنقول وبالله التوفيق :
1 ـــ فأما قولك (( ليس كل الناس يسمعون عن الإسلام .. ))
فإن من لم يسمع عن الإسلام ولا بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فهو من أهل الفترة ، والراجح في أهل الفترة أنهم لا يؤاخذون بما كانوا عليه من العصيان بسبب عدم بلوغ الرسالة إليهم ، وإنما يمتحنون يوم القيامة ، وهذا من رحمة الله تعالى بهم ، وقد فصلنا ذلك في الفتوى رقم : 3191 ، فراجعيها .
2 ــ وأما قولهم (( إلا أننا في هذه الدنيا لا نعاقب إلى أن تكون الآخرة ، فيعاقب المجرمون ، فما نفع العقاب )) فهذا كلام غير صحيح لأن الله تعالى كثيرا ما يعاقب العصاة والكفار في الدنيا قبل الآخرة لينتهوا ويعودوا إلى ربهم سبحانه ، لكن أكثرهم لا يستشعرون ولا يتعظون بهذه العقوبات ، قال تعالى : ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد {الرعد: 31 } وعقوبات الله تعالى في الدنيا كثيرة ومتنوعة ، فقد تكون العقوبة مرضا ، وقد تكون نقصا في المال ، وقد تكون بفقد الأحبة ، وقد تكون بالهم والقلق وغير ذلك ، قال تعالى : فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون {الأنعام: 42 } وقال أيضا : وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون {الأعراف: 94 } قال الشوكاني في فتح القدير (( أي البؤس والضر ، وقيل البأساء المصائب في الأموال ، والضراء المصائب في الأبدان ، وبه قال الأكثر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه . رواه أحمد وابن ماجة وحسنه البوصيري ، في مصباح الزجاجة ، وبناء على ذلك فلا يمكن لأحد أن يزعم بأن العصاة لا يعاقبون أبدا في هذه الحياة ، لأن عقوبات الله تعالى في الدنيا أنواع وأشكال ، ثم إن زعمهم بأن عقاب الآخرة لا نفع فيه غير مسلم لهم ، لأن عددا كبيرا من البشر الذين يؤمنون بالحساب والعقاب ، يكفهم عن المعاصي علمهم بما أعده الله تعالى من العقوبة للعصاة يوم القيامة ، وهذا من ثمرات الإيمان الطيبة .
3 ــ وأما قولهم بأن ذبح الحيوان تعذيب له : فنقول : إن الإسلام قد سبق هؤلاء في الأمر بالعطف على الحيوان والنهي عن تعذيبه ، ونورد لك بعض الأحاديث النبوية في هذا المعنى :
1 ــ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا . رواه مسلم
2ـ وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى أن تصبر البهائم . رواه مسلم أيضا
قال النووي رحمه الله: قال العلماء : صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه ، وهو معنى ( لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا ) أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه .. وهذا النهي للتحريم. اهـ
3 ــ وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال : مر ابن عمر بنفر نصبوا دجاجة يترامونها فلما رأوا ابن عمر تفرقوا عنها ، فقال ابن عمر من فعل هذا ؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا . رواه البخاري ومسلم
4 ــ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالعطف على الحيوان عند الذبح ، فعن شداد ابن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته . رواه مسلم
قال النووي في شرح مسلم: ويستحب أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة ، وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى ، ولا يجرها إلى مذبحها .... وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام.
5 ــ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها فقال : أفلا قبل هذا ، أتريد أن تميتها موتتين . رواه الطبراني في الكبير والأوسط والحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري ، وصححه الألباني .
قال الملا علي القاري: قال علماؤنا : وكره السلخ قبل التبرد وكل تعذيب بلا فائدة لهذا الحديث.
ثم نحيلك على مقالة رائعة بعنوان : ذبح الحيوان قبل موته ضمان لطهارة لحمه من الجراثيم ، وقد نشرتها بعض المواقع الإسلامية الإلكترونية ، وهي مقالة طويلة ومما ورد فيها :
" الرحمة بالحيوان : إذا قمنا بذبح الحيوان وقطع أوردته ، وبعد أن يسيل الدم منه ، فهل يشعر الحيوان بالألم من جراء ذلك ؟
الجواب بسيط : قد اكتشف العلم أن مراكز الإحساس بالألم تتعطل إذا توقف ضخ الدماء عنها لمدة ثلاث ثوان فقط ، لأنها بحاجة إلى وجود الأكسجين في الدم باستمرار .
كيف نقول إن هذا الحيوان لا يحس بالألم مع أننا نراه يرفس ويتحرك ويتلوى و يتخبط ؟
هذا سببه أن الجهاز العصبي لا يزال حيا ، وما تزال فيه حيوية ، ولم يفقد منه غير وعيه فقط ، وفي هذه الحالة مادمنا لم نقطع العنق فإننا لم نعتد على الجهاز العصبي فتظل الحياة موجودة فيه ، لكن الذي يحدث في عملية الذبح بطريقة المسلمين أن يبدأ الجهاز العصبي بإرسال إشارات من المخ إلى القلب طالبا منه إمداده بالدماء لأنها لم تصل إليه ، وكأنه ينادي : لقد انقطعت عني الدماء .. أرسل إلينا دما ايها القلب ، يا عضلات .. أمدي القلب بالدماء ، أيها الجسم .. أخرج الدماء فإن المخ في خطر . عندها تقوم العضلات بالضغط فورا ، ويحدث تحرك شديد للأحشاء والعضلات الداخلية والخارجية ، فتضغط بشدة وتقذف بكل ما فيها من دماء وتضخها إلى القلب ، ثم يقوم القلب بدوره بالإسراع في دقاته بعد أن يمتلئ بالدماء تماما فيقوم بإرسالها مباشرة إلى المخ ، ولكنها ــ بطبيعة الحال ــ تخرج للخارج ولا تصل إليه ، فتجد الحيوان يتلوى ، وإذا به يضخ الدماء باستمرار حتى يتخلص جسم هذا الحيوان تماما من الدماء .. وبذلك يتخلص جسم هذا الحيوان من أكبر بيئة خصبة لنموا الجراثيم وأخطر مادة على الإنسان ، أي أن الحيوان المذبوح يفقد الحياة خلال ثلاث ثوان فقط إذا ذبح بالطريقة الصحيحة ، وأن ما نراه في الحيوان من رفس وتشنج وما شابه ذلك هي من مؤثرات بقاء الحياة في الجهاز العصبي ، ولا يشعر الحيوان المذبوح بها على الإطلاق "
وأما سؤالك عن مس الكافر للقرآن فقد سبق لنا تفصيل القول فيه في الفتوى رقم : 34457 ، فراجعيها .
والله أعلم .