الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث: خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله عزوجل، وقتل النفس بغير حق، و بهت مؤمن، و الفرار من الزحف، و يمين صابرة يقتطع بها مالا بغير حق . أخرجه أحمد وابن أبي عاصم وفي سنده بقية وهو مدلس وقد صرح بالتحديث في رواية ابن أبي عاصم وقد حسن الحديث الألباني.
وهذا الحديث يحمل على نفي تكفير الأعمال الصالحة للكبائر فالتطهير من الكبائر لا يكون إلا بالتوبة والاستغفار
أو الحد إن كان فيها حد، أو بتكرم الله على العبد بالمغفرة ولا تكفرها الحسنات ونحوها على الراجح، لقوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. رواه مسلم.
وأما التكفير بالتوبة والحد فهو ثابت بأدلة أخرى فقد أمر الله عباده المؤمنين بالتوبة النصوح، ووعدهم بتكفير السيئات، ودخول الجنات إن هم فعلوا ذلك، فقال: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار {التحريم:8}.
وقال سبحانه وتعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف {الأنفال: الآية38}
وقال الله عز وجل: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما (70) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا {الفرقان:68 – 71}.
وقال تعالى: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما {النساء: 110} وقال: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم {المائدة:39} فهذا شامل لكل الذنوب فمن تاب من شيء منها واستغفر وأصلح عفا الله عنه ما سلف وتاب عليه.
وروى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم: إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم: إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء الله عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك. رواه البخاري، فهذا الحديث يدل على أن مرتكب الكبيرة إذا أقيم عليه الحد كان كفارة له حتى ولو لم يتب قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود، وهو قول الجمهور. انتهى
وأما إذا تاب وصدقت توبته فإن الله يقبلها منه، قال ابن حجر في فتح الباري: وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أم لا. انتهى
ومن فوائد الحديث أن من مات وكان مرتكبا للكبيرة ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله فإن شاء غفر له برحمته وإن شاء عذبه بعدله.
ومن الأمثلة على الكبائر الأخرى التي تكفرها التوبة ما في الحديث: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف ". أخرجه البخاري ومسلم
و في الحديث: الكبائر تسع أعظمهن إشراك بالله وقتل النفس بغير حق وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة والفرار يوم الزحف وعقوق الوالدين واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا. رواه البيهقي ورى بعضه النسائي وحسنه الألباني.
وقد ذهب بعض العلماء إلى تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة وقد أطال ابن رجب في جامع العلوم والحكم في نقاش المسألة عند حديث اتق الله حيثما كنت وأنتع السيئة الحسنة تمحها فراجعه فهو موجود على الإنترنت
والله أعلم.