السؤال
لي جارة، ظروفها المادية صعبة جدا، فراتب زوجها 1800 درهم، وإيجار البيت الذي يسكنونه 1000 درهم، وينفق على مواصلاته من البيت إلى مقر عمله حوالي 400 درهم، أي يتبقى من الراتب 400 درهم، ولديهم من الأبناء خمسة، أكبرهم عمره حوالي 12 سنة، لذلك فظروفهم صعبة جدا، وهذه المرأة كانت متزوجة من قبل برجل من مواطني الدولة، وأنجبت له 2 من الأبناء، وتقدمت لوزارة الشؤون الاجتماعية لتحصل على معونة قدرها حوالي 1300 درهم، ولكن من ضمن الشروط لكي تحصل على هذه المعونة هي أن تحلف بالله أنها لم تتزوج بعد طلاقها من الرجل الأول. لذلك فهي تسأل هل يجوز لها أن تحلف كذبا لإنقاذ عائلتها، أم أنه حرام حتى في مثل حالتها؟
ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب من الذنوب العظيمة، والأخلاق الذميمة، وهو من صفات المنافقين التي وصفوا بها في القرآن الكريم، والحديث النبوي، ويعظم إثمه ويزداد بشاعته إذا انضم إليه توكيده بالحلف بالله تعالى، كما قال -عز وجل-: ويحلفون على الكذب وهم يعلمون [المجادلة: 14].
وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرا أو ينمي خيرا، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها، فأول هذا الحديث نفى الكذب -أي المؤاخذة عليه- إذا كان بقصد الإصلاح بين الناس، وإشاعة الخير بينهم، لكنه سد باب الكذب سدا، إلا في الحالات الثلاث المذكورة فيه، وقد ألحق العلماء بها ما إذا دعت ضرورة وحاجة ماسة مثل: إنقاذ نفس المسلم، أو ماله، أو نحو ذلك، فأباحوا الكذب لهذه الأمور؛ نظرا للمصلحة الراجحة.
قال الإمام النووي: إن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب... إلى آخر كلامه. انظر رياض الصالحين: باب 253 ص: 459.
وعلى هذا؛ فلا حرج على من خشيت على نفسها، أو عيالها الضياع أن تكذب، وأن تحلف عليه إذا لم يمكن لها أن تصل إلى ما أعد للفقراء والمحتاجين من الأموال العمومية إلا بالكذب، لكن الأحوط لها أن توري في كلامها، فالأصل في الأيمان الكاذبة المنع إلا إذا ترتب عليها دفع ضرر أكبر وأعظم من ضرر الكذب.
والله أعلم.