السؤال
أنا فتاة جامعية عمري 32، لدي وبحمد الله عمل ناجح جدا ونشاطات متنوعة رياضية وسياحية، وأسرة متفاهمة ومثقفة..تعرفت على شاب على درجة عالية من الأخلاق والتدين، يصغرني بعامين. وتطورت علاقتنا بقدر المسموح من صداقة إلى إعجاب ثم حب. ولكي لا نعتمد على العواطف وحدها فقد درسنا الموضوع بطريقة عقلانية وحاولنا تحديد نقاط الالتقاء والاختلاف بيننا وأحلامنا المشتركة وما يمكن لنا أن نحققه معا، فلم نزدد إلا اقتناعا بصحة ارتباطنا وبأن كلا منا مكمل للآخر. وعندما اتضح قرار الارتباط بهذه القوة أردنا تحويله إلى علاقة شرعية على سنة الله ورسوله، وكتمهيد تعرف هو على أهلي الذين رحبوا به وأحبوه جدا، وتعرفت أنا على عائلته وهنا كانت المفاجأة أنهم رفضوني بحجة فرق السن، والاختلاف في البيئة بيننا. فهو من عائلة محافظة وتقليدية جدا بينما عائلتي –نسبيا- أكثر انفتاحا وتحررا. الحقيقة أننا كنا قد أدركنا هذا الفرق من قبل، وهو ليس أمرا جوهريا فكلانا نتبع نفس الدين ونفس المذهب لكن هناك اختلافات في طريقة حياة كل منا، فهم على سبيل المثال يعتبرون محاربة الاختلاط بين الرجال والنساء أحد أهم ركائز التدين ولا يمانعون في حرمان المرأة من المشاركة في الحياة العامة في سبيل منعها من الاختلاط مع الجنس الآخر، ويصرون على ارتداء نمط معين من الملابس بطريقة محافظة جدا. أما أنا فلي دوري ورسالتي في المجتمع وأعرف حدودي وأقف عندها لكنها لا تمنعني عن ممارسة حياتي بطريقة إيجابية، وهو أيضا يؤيد جدا طريقتي في الحياة ويرفض طريقة أهله المتزمتة. بعد معاناة طويلة تمكن من فرض خياره على الجميع ما عدا الأم التي تشبثت أكثر بالرفض. علما أنها مصابة باكتئاب لذلك يصعب عليه مناقشتها في الأمر. حتى الآن قررنا أن نصبر ونحتسب إلى أن يقدر الله تعالى لنا حلا، ونحن على هذا الحال منذ حوالي سنة. ماذا نستطيع أن نفعل في هذه الحالة؟جزاكم الله الخير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالاختلاف بين الناس سنة من سنن الله عز وجل في هذه الحياة قال سبحانه : ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك { هود : 118ــ 119 } ونتيجة لهذا الاختلاف ، والتباين في طريقة التفكير وأسلوب الحياة يصف بعضهم بعضا بأوصاف ، وينبز بعضهم بعضا بألقاب تكون في الكثير من الأحيان بعيدة عن العدل والإنصاف, ومن ذلك ما ورد في سؤال الأخت من وصف لعائلة الشاب بأنها تقليدية ومتزمتة ، في حين وصفت عائلتها بأنها منفتحة ومتحررة والميزان الصحيح والذي لا ينازع فيه مسلم هو هذا الدين الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم من رب العالمين ، فهو الميزان الذي نزن به الأشخاص والأفعال والأقوال والقيم والعادات . ومن القضايا التي يختلف حولها الناس ، قضية المرأة ومشاركتها في العمل خارج البيت ، ولبيان ميزان الإسلام في هذه القضية ، نقول : بداية لا بد من بيان القاعدة في الإسلام في تقسيم المهام والوظائف بين الرجل والمرأة ، وهذا ما سبق بيانه في الفتوى رقم :54957 ، فيلزم مراجعتها أولا .
وإذا تبين ذلك تأتي الاستثناءات من هذه القاعدة فعند وجود حاجة في المجتمع أو حاجة في الأسرة لخروج المرأة للعمل ، فلا مانع من خروجها ولكن بضوابط تحفظ للمرأة كرامتها, وللمجتمع عفته وطهارته, وسبق بيانها في الفتوى رقم : 19233 . وأما عن سؤال الأخت عن الحل لمشكلتها ، فهذه العلاقة التي أسمتها الأخت صداقة ووصفتها بأنها مسموح بها هي في الحقيقة غير مسموح بها ، ولا يقرها الإسلام ولا يعترف بها ، لأن المرأة جوهرة ودرة مصونة ، لا تمتد إليها يد إلا يد من يريد حفظها وأخذها بالميثاق الغليظ وهو الزواج الشرعي, أما من يريد أن يجعل منها فرجة ولعبة وتسلية ، فلا .
فعلى الأخت أن تضع حدا لهذه العلاقة ، ولا تضيع من عمرها أكثر مما مضى ولتطلب من الشاب إما أن يجعل هذه العلاقة شرعية بالزواج ، وإما أن يسير كل في طريقه ويبحث عن شريك لحياته . وأما الشاب فعليه أن يحاول إقناع والدته بهذا الزواج فإن لم تقتنع فليبحث عن غير هذه البنت فإنه يجب عليه طاعة والدته في مثل هذا الأمر, ولا سيما إذا كان لرفضها ما يبرره ، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 17763 ، وعليه قطع هذه العلاقة مع امرأة لا تحل له . والتوبة إلى الله منها ، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .