الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الإيمان بقدر الله وقضائه واجب، بل هو الركن السادس من أركان الإيمان، قال الله تعالى: إنا كل شيء خلقناه بقدر {القمر:49}، وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في إجابته عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره.
فلا بد من اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، فلا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل شيء بقدر وحكمة يدبرها الله سبحانه وتعالى، وقد كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فما كتبه الله لا يستطيع أحد رده، وقد شرع الله بذل الأسباب وطالب العباد بالقيام بها لتحصل مطالبهم وشرع تطلع النفس لما هو أنفع لها في دنياها وأخراها، فقد روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. ولا يعتبر هذا عدم رضا بالقدر، وبما قسمه الله للإنسان، لأن الله قدر المقادير بأسبابها، فقدر النجاح بالجد والمذاكرة والري بالشرب والشبع بالأكل، وهكذا فلو طمع الإنسان إلى منزلة دينية أو دنيوية مباحة وعمل من أجل ذلك ووصل إليها فهو بقدر الله.
فمن الأمور الأساسية التي تكون سببا في نجاح الإنسان في حياته كلها إيمانه بالله عز وجل وبقدره وثقته به، لذلك فعلقي نفسك بالله تعالى، وتوجهي إليه بسؤاله التوفيق والنجاح وابذلي الجهد الممكن من الدراسة لترفعي من مستواك وتحسني من خبرتك، وتسعي في الحصول على أعلى الدرجات العلمية في مجال تخصصك أو في غيره.
واعلمي أن الدعاء من قدر الله تعالى، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه أو فوات ما يطمح له فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء ويصرف عنه شر ما يخشاه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يرد القدر إلا بالدعاء. رواه أحمد والترمذي بإسناد حسن.
وروى الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع. وفي سنن أبي داود بإسناد حسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في أوقات الشدة والأزمات ويسأل الله تعالى أن يرفع البلاء، فعن عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض ويقول: اللهم رب الناس، أذهب الباس واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
فعلى المسلم أن يتسبب ويدرس ويراجع... وكل ذلك من قدر الله تعالى وقضائه، وإذا أصابه بعد ذلك ما لا يريده فليقل: قدر الله وما شاء فعل، كما أرشده الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيجد بردها على قلبه إن كان صادقا.
ونصيحتنا لأختنا السائلة أن لا تتأسف على ما مضى، فإن لو تفتح عمل الشيطان كما تقدم، ولتجد في المستقبل ولتعلم أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد دلا على أن الذنوب سبب من أسباب نزول المصائب بالعبد وحرمانه من الرزق، قال الله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير {الشورى:30}، وفي مسند أبي يعلى عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أصابك من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم، والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة، وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أجل أن يعود بعد عفوه.
فاجتهدي في الدراسة وذاكري مذاكرة جيدة وابتعدي عن المعاصي، فإنها قد يحرم مقترفها من بعض الأشياء عقوبة له، كما في الحديث: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وحسنه الألباني والأرناؤوط.
واعلمي أن الفشل في الدارسة أو كثرة المصائب ليست دليلا على كره الله للمرء، كما أن النجاح في الدراسة ووفرة المال والولد ونحو ذلك من النعم الدنيوية ليس دليلا على حبه إياه، ولمعرفة المعيار الصحيح الذي يعرف المرء به محبة الله إياه أوعدمها، انظري في ذلك الفتوى رقم: 56202، وراجعي في التعامل الأمثل مع صديقتك الفتوى رقم: 54580.
وأما الحالة النفسية ونحو ذلك مما تشعرين به أحيانا فعلاجه الذكر وقراءة القرآن، وراجعي في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26195، 35559، 36430، 66870، 56202، 26806، 38127.
والله أعلم.