السؤال
مشكلتي أني أعاني من وساوس في الإيمان بالله منذ أن قررت الالتزام، وهذه الوساوس ملازمة لنفسي وتشعرني بكآبة شديدة جدا قد تجعلني أبكي لفترات طويلة وأتهم نفسي بالجنون والخرف حتى أني لأنادي نفسي بيا مجنون وأخاف أن يغضب علي الله غضبا إلى يوم القيامة، وكثيرا ما أتذكر قول الله (إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم)، وأبكي، وأنا مع هذه الكأبة لا أخبر بها أحدا وأكتمها في نفسي وقد قرأت أن ذلك من صريح الإيمان غير أني أشعر في بعض الأحيان أن هذه الوساوس نجحت في أن تدخل الشك في قلبي..... فإذا قلنا إن هذه الوسوسة نجحت في إدخال الشك لبعض الوقت فهل سيحبط الله عملي ويمقتني، وفي النهاية أرجو أن تجيبوا على سؤالي دون تحويلي إلى فتاوى سابقة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيتعين على المسلم صرف ذهنه عن الاسترسال في الوساوس ويكثر الاستعاذة بالله مما يرد على قلبه من نزغات الشيطان، بل يشغل ذهنه بما يفيد، ويحذر من الانفراد وحده، بل يخالط أهل الخير والصلاح ويتعاون معهم على البر والتقى، ولا بأس بالترويح بالأنشطة الاجتماعية والرياضية المشروعة، واعلم أن استعظامك لهذا الأمر وخوفك من الكلام به وكتمه في نفسك دال على وجود الإيمان عندك فلا داعي للقلق والتخوف، ومن فضل الله تعالى ورحمته بنا أن تجاوز للإنسان عما حدثته به نفسه ما لم يعمل به أو يتكلم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به.
قال الكرماني: فيه أن الوجود الذهني لا أثر له؛ وإنما الاعتبار بالوجود القولي في القوليات، والعملي في العمليات. انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أحدنا يجد في نفسه -يعرض بالشيء- لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. رواه أبو داود وصححه الألباني.
وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. قال النووي في شرحه لهذا الحديث: فقوله صلى الله عليه وسلم: ذلك صريح الإيمان، ومحض الإيمان. معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك.
قال الخطابي: المراد بصريح الإيمان هو الذي يعظم في نفوسهم إن تكلموا به، ويمنعهم من قبول ما يلقي الشيطان، فلولا ذلك لم يتعاظم في نفوسهم حتى أنكروه، وليس المراد أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان، بل هي من قبل الشيطان وكيده. وبكلام الخطابي هذا يعلم أن تعاظم هذه الوساوس وردها دال على صحة الإيمان، وأن عدم تعاظمها والسماح للنفس بالاسترسال فيها يدل على ضعف الإيمان.
فمن كان ممن يستعظم أمر تلك الوسوسة، ويخاف من ورودها عليه، ومن النطق بها، ويدفعها عنه قاطعا سبيلها إلى قلبه وكان معتقده الإيماني الراسخ رافضا لها، متعوذا بالله من الشيطان، فذاك صاحب إيمان صريح، له بسلفنا من الصحابة رضوان الله عليهم أسوة حسنة.
ومن وثق بالله واستعان به في دفعها اندفعت عنه بفضل الله وتثبيته، وخنس عنه الشيطان، ويئس منه في هذه السبيل، فقد قال الله تعالى: إن كيد الشيطان كان ضعيفا {النساء:76}، ومن تابع الوسوسة، وتكلم بها ونشرها ووصل معها درجة الشك التي تزعزع أركان اليقين، وتخالف التوحيد، فذاك من ضعف إيمانه، وخيف عليه من الشرك، ومتابعة الشيطان فيما يلقي إليه من وسوسة.
هذا.. وننصحك بطلب العلم الشرعي فهو من أهم وسائل دفع الشبهات عن القلب، واقرئي من الكتب ما يثبت عقيدتك مثل كتاب التوحيد، وكتاب الإيمان لعبد المجيد الزنداني، وكتاب العقيدة في الله للدكتور عمر الأشقر، وننصحك مع كل ذلك بمداومة ذكر الله فإنه هو أنجح الأدوية في هذا الباب.
والله أعلم.