السؤال
من قال من أهل العلم بالعذر بالجهل, وما دليله ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعذر بالجهل يختلف باختلاف الأشخاص والأمكنة والمسائل، وخلاصة القول فيه ما قاله الإمام السيوطي -رحمه الله- في الأشباه والنظائر: "كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى فيها مثل ذلك كتحريم الزنا والقتل والخمر والكلام في الصلاة والأكل في الصوم... لأن ذلك يخفى على العوام " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: "وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر. وأمثال ذلك فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم فإن أصروا كفروا حينئذ ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك؛ كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون. وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل." انتهى.
ومثل ما قاله السيوطي وشيخ الإسلام وابن تيمية في المحرمات يقال في الواجبات المعلومة من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج.
وأدلة العذر بالجهل كثيرة، منها قوله تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا {الإسراء:15} وقوله تعالى:وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ {الأنعام: 19}،
ومنها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية: في مجموع الفتاوى حيث قال: "وكنت دائما أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: " {إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، ففعلوا به ذلك فقال الله له: ما حملك على ما فعلت. قال خشيتك: فغفر له} ". فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلا لا يعلم ذلك وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك." انتهى."
ومنها حديث ذات أنواط، فهو من جملة أدلة العذر بالجهل لمن كان حديث عهد بإسلام وقد صرح بذلك راويه أبو واقد الليثى والحديث صحيح وهو في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وغيرهما، ولفظه: "أنهم خرجوا عن مكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين، قال: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها، ويعلقون بها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواط، قال: فمررنا بسدرة خضراء عظيمة، قال: فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون}.
والخلاصة أن العذر بالجهل يقول به جميع أهل العلم، إلا أنهم يتفاوتون في كيفية الأخذ به، وفي المسائل التي يعذر فيها بالجهل.
والله أعلم.