السؤال
سيدنا إبراهيم عليه السلام كان مسلما، سؤالي هو: كيف يكون هناك ديانات يهودية ونصرانية بعد ذلك، وهل هي ديانات أم رسالات، وعندما يسألون في قبورهم عن دينهم ماذا سيجيبون؟ وجزاكم الله خيرا.
سيدنا إبراهيم عليه السلام كان مسلما، سؤالي هو: كيف يكون هناك ديانات يهودية ونصرانية بعد ذلك، وهل هي ديانات أم رسالات، وعندما يسألون في قبورهم عن دينهم ماذا سيجيبون؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية وربط به هدايتهم، وحكم على من ابتغى غيره من الأديان بالخسارة، قال الله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام {آل عمران:19}، وقال تعالى: وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا {آل عمران:20}، وقال الله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين {آل عمران:85}، وقال تعالى: كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون {النحل:81}، وقد وصف الله تعالى المتمسكين بدينه الحق بالإسلام سواء كانوا أنبياء أو أتباع الأنبياء، فقد أخبر الله تعالى أن إبراهيم ويعقوب أوصيا بالموت على الإسلام، وأن إبراهيم كان من المسلمين، وذلك حيث يقول تعالى في شأن إبراهيم: إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين* ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون {البقرة:131-132}.
وأخبر أن بني يعقوب أقروا على أنفسهم بالإسلام فقال: أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون {البقرة:133}، وأخبر أن إبراهيم وإسماعيل كانا يقولان في دعائهما: ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وقد وصف إبراهيم بالإسلام ونفى عنه اليهودية والنصرانية، فقال: ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين {آل عمران:67}، وأخبر أن سحرة فرعون بعد إسلامهم دعوا الله تعالى فقالوا: ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين {الأعراف:126}، وأخبر أن نوحا عليه السلام قال في خطابه لقومه: فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين {يونس:72}، وأخبر أن موسى عليه السلام قال في خطابه لبني إسرائيل: وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين {يونس:84}، وأخبر أن سليمان عليه السلام قال في رسالته لسبأ: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم* ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين {النمل:30-31}، ووصف سبحانه وتعالى بيت لوط بالإسلام، فقال فيهم: فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين {الذاريات:36}، وأخبر تعالى أن الحواريين أشهدوا عيسى على إسلامهم، فقال: فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون {آل عمران:52}.
وبهذا يعلم أن الإسلام وهو الاستسلام لأمر الله تعالى وعبادته وحده هو دين الأنبياء جميعا، فقد اتفقت كلمتهم على الدعوة إلى عبادة الله وحده، ولكن اختلفت الشرائع فقد يباح لقوم ما يحرم على آخرين والعكس، ويباح في زمان ما يحرم في آخر لما يعلمه سبحانه من مصالح العباد، والإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم امتداد لدين الله الذي شرعه للبشر من قديم الزمان وناسخ لما قبله من الشرائع، فلا يقبل من أحد دين غيره بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وأما تسمية اليهود يهودا فإنها -كما قال بعض أهل العلم- مأخوذة من اسم ولد يعقوب الذي ينتمون إليه، وكان اسمه يهوذا، وقيل غير ذلك.
وسمي أتباع دين النصرانية بالنصارى نسبة إلى بلدة الناصرة في فلسطين، والتي ولد فيها المسيح عليه السلام، أو لأنهم نصروا عيسى عليه السلام، واليهودية والنصرانية ديانتان سماويتان، وكانتا صحيحتين قبل دخول التحريف والتبديل عليهما، ولا فرق بين أن نصفهما بأنهما ديانتان سماويتان وبين أن نصفهما بأنهما رسالتان.
وأما قول السائل الكريم: وعندما يسألون في قبورهم عن دينهم ماذا سيجيبون؟
فجوابه فرع عن مسألة أخرى وهي هل سؤال القبر خاص بهذه الأمة أم هو عام لكل الأمم التي أرسلت إليها الرسل وقامت عليها الحجة؟
في هذه المسألة ثلاثة أقوال ذكرها ابن القيم وغيره: الأول أنه خاص بهذه الأمة، والثاني أنه عام، والثالث التوقف، لأنه أمر غيبي، لا دليل يحسم النزاع فيه، وقد استظهر ابن القيم في كتاب الروح القول بأنه عام. ومن أراد التفصيل في هذا الأقوال فليرجع إلى كتاب الروح لابن القيم والتذكرة للقرطبي.
وبناء على كون سؤال القبر عاما لكل الأمم، فإن من مات من اليهود والنصارى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسأل عن دينه الذي جاءته به رسلهم، وستكون نجاتهم وهلاكهم بحسب صواب جوابهم وعدمه
وأما بعد مبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم فلا دين عند الله إلا الإسلام، ولا يسأل أحد مات بعد مبعثه وبلوغ دعوته إلا عنه.
والله أعلم.