السؤال
هل تبطل الصلاة بخروج حرفين (كمن) ولم يسمعها من بجواري وغير مفهومة المعنى، لوحدها، فأرجو الإفادة عن هذه المسألة بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيرا.
هل تبطل الصلاة بخروج حرفين (كمن) ولم يسمعها من بجواري وغير مفهومة المعنى، لوحدها، فأرجو الإفادة عن هذه المسألة بالتفصيل؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اتفق الفقهاء على أن الصلاة تبطل بالكلام لما روى زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه، قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن.
وذهب جمهور الفقهاء - الحنفية والشافعية والحنابلة - إلى أن الكلام المبطل للصلاة ما انتظم منه حرفان فصاعدا، لأن الحرفين يكونان كلمة كأب وأخ، وكذلك الأفعال والحروف، ولا تنتظم كلمة في أقل من حرفين، قال الخطيب الشربيني: الحرفان من جنس الكلام، لأن أقل ما يبنى عليه الكلام حرفان للابتداء والوقف، أو حرف مفهم نحو (ق) من الوقاية و(ع) من الوعي و(ف) من الوفاء، وزاد الشافعية مدة بعد حرف وإن لم يفهم نحو (آ) لأن الممدود في الحقيقة حرفان وهذا على الأصح عندهم. ومقابل الأصح أنها لا تبطل، لأن المدة قد تتفق لإشباع الحركة ولا تعد حرفا، وذهب المالكية إلى أن الكلام المبطل للصلاة هو حرف أو صوت ساذج، سواء صدر من المصلي بالاختيار أم بالإكراه، وسواء وجب عليه هذا الصوت كإنقاذ أعمى أو لم يجب، واستثنوا من ذلك الكلام لإصلاح الصلاة فلا تبطل به إلا إذا كان كثيرا، وكذا استثنوا الكلام حالة السهو إذا كان كثيرا فإنه تبطل به الصلاة أيضا. ولم يفرق الحنفية ببطلان الصلاة بالكلام بين أن يكون المصلي ناسيا أو نائما أو جاهلا، أو مخطأ أو مكرها، فتبطل الصلاة بكلام هؤلاء جميعا، قالوا: وأما حديث: إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. فمحمول على رفع الإثم، واستثنوا من ذلك السلام ساهيا للتحليل قبل إتمامها على ظن إكمالها فلا يفسد، وأما إن كان عمدا فإنه مفسد.
وكذا نصوا على بطلان الصلاة بالسلام على إنسان للتحية، وإن لم يقل: عليكم، ولو كان ساهيا. وبرد السلام بلسانه أيضا، وذهب الشافعية إلى عدم بطلان الصلاة بكلام الناسي، والجاهل بالتحريم إن قرب عهده بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء، ومن سبق لسانه، إن كان الكلام يسيرا عرفا، فيعذر به، واستدلوا للناسي بما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فسلم من ركعتين، ثم أتى خشبة المسجد واتكأ عليها كأنه غضبان، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال لأصحابه: أحق ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فصلى ركعتين أخريين ثم سجد سجدتين. ووجه الدلالة: أنه تكلم معتقدا أنه ليس في الصلاة، وهم تكلموا مجوزين النسخ ثم بنى هو وهم عليها، ولا يعذر في كثير الكلام، لأنه يقطع نظم الصلاة وهيئتها، والقليل يحتمل لقلته ولأن السبق والنسيان في كثير نادر.
قال الخطيب الشربيني: ومرجع القليل والكثير إلى العرف على الأصح. وأما المكره على الكلام فإنه تبطل صلاته على الأظهر ولو كان كلامه يسيرا، ومقابل الأظهر لا تبطل كالناسي، وأما إن كان كلامه كثيرا فتبطل به جزما، وذهب الحنابلة إلى بطلان الصلاة بكلام الساهي والمكره، وبالكلام لمصلحة الصلاة، والكلام لتحذير نحو ضرير، ولا تبطل عندهم بكلام النائم إذا كان النوم يسيرا، فإذا نام المصلي قائما أو جالسا، فتكلم فلا تبطل صلاته، وكذا إذا سبق الكلام على لسانه حال القراءة فلا تبطل صلاته، لأنه مغلوب عليه فأشبه ما لو غلط في القراءة فأتى بكلمة من غيره. وقال ابن قدامة: إن تكلم ظانا أن صلاته تمت، فإن كان سلاما لم تبطل الصلاة رواية واحدة، أما إن تكلم بشيء مما تكمل به الصلاة أو شيء من شأن الصلاة مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين لم تفسد صلاته. انتهى من الموسوعة الفقهية.
والله أعلم.