السؤال
قمت بتقديم بحث علمي عن النباتات وأخذت عينات من داخل الحرم مع علمي بحرمة ذلك ولكني أقنعت نفسي بجواز هذا العمل في حالة البحث العلمي.
ما الحكم في ذلك؟ وهل علي كفارة؟ وما هي؟
قمت بتقديم بحث علمي عن النباتات وأخذت عينات من داخل الحرم مع علمي بحرمة ذلك ولكني أقنعت نفسي بجواز هذا العمل في حالة البحث العلمي.
ما الحكم في ذلك؟ وهل علي كفارة؟ وما هي؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقد ثبت في صحيح البخاري النهي عن قطع شجر الحرم كما في الحديث: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليهم رسوله والمؤمنين، ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرام؛ لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد....الحديث ويستثنى من هذا ما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين عند كثير من أهل العلم، وكذا ما انكسر من الأغصان، وانقلع من الشجر بغير فعل الآدمي، وما سقط من الورق.
قال ابن قدامة في المغني:
أجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم، وإباحة أخذ الإذخر وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين، حكى ذلك ابن المنذر والأصل فيه ما روينا من حديث ابن عباس، وروى أبو شريح وأبوهريرة نحوا من حديث ابن عباس وكلها متفق عليها، وفي حديث أبي هريرة: ألا وإنها ساعتي هذه حرام؛ لا يختلى شوكها، ولا يعضد شجرها. وفي حديث أبي شريح أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح قال: إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد شجرة. روي الأثرم حديث أبي هريرة في سننه وفيه: لا يعضد شجرها، ولا يحتش حشيشها، ولا يصاد صيدها.
فأما ما أنبته الآدمي من الشجر فقال أبو الخطاب وابن عقيل: له قلعه من غير ضمان كالزرع وقال القاضي: ما نبت في الحل ثم غرس في الحرم فلا جزاء فيه، وما نبت أصله في الحرم ففيه الجزاء بكل حال، وقال الشافعي في شجر الحرم: الجزاء بكل حال أنبته الآدميون أو نبت بنفسه لعموم قوله عليه السلام: لا يعضد شجرها. ولأنها شجرة نابتة في الحرم أشبه ما لم ينبته الآدميون، وقال أبو حنيفة: لا جزاء فيما ينبت الآدميون جنسه كالجوز واللوز والنخل ونحوه، ولا يجب فيما ينبته الآدمي من غيره كالدوح والسلم والعضاه لأن الحرم يختص تحريمه ما كان وحشيا من الصيد، كذلك الشجر، وقول الخرقي: وما زرعه الإنسان. يحتمل اختصاصه بالزرع دون الشجر فيكون كقول الشافعي، ويحتمل أن يعمم جميع ما يزرع فيدخل فيه الشجر ويحتمل أن لا يريد ما ينبت الآدميون جنسه، والأولى الأخذ بعموم الحديث في تحريم الشجر كله بقوله عليه السلام: لا يعضد شجرها. إلا ما أنبته الآدمي من جنس شجرهم بالقياس على ما أنبتوه من الزرع والأهلي من الحيوان، فإننا إنما أخرجنا من الصيد ما كان أصله إنسيا دون ما تأنس من الوحشي كذا ههنا.
فصل: ويحرم قطع الشوك والعوسج، وقال القاضي وأبو الخطاب: لا يحرم. وروي ذلك عن عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار والشافعي لأنه يؤذي بطبعه فأشبه السباع من الحيوان.
ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يعضد شجرها. وفي حديث أبي هريرة: لا يختلى شوكها. وهذا صريح ولأن الغالب في شجر الحرم الشوك فلما حرم النبي صلى الله عليه وسلم قطع شجرها والشوك غالبه كان ظاهرا في تحريمه.
فصل: ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش لأنه بمنزلة الميت، ولا بقطع ما انكسر ولم يبن؛ لأنه قد تلف فهو بمنزلة الظفر المنكسر، ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقلع من الشجر بغير فعل منك، ولا ما سقط من الورق نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافا لأن الخبر إنما ورد في القطع، وهذا لم يقطع فأما إن قطعه آدمي فقال أحمد: لم أسمع إذا قطع ينتفع به. وقال في الدوحة تقلع من شبهه بالصيد لم ينتفع بحطبها وذلك لأنه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم، فإذا قطعه من يحرم عليه قطعه لم ينتفع به كالصيد يذبحه المحرم، ويحتمل أن يباح لغير القاطع الانتفاع به لأنه انقطع بغير فعله فأبيح له الانتفاع به كما لو قطعه حيوان بهيمي، ويفارق الصيد الذي ذبحه لأن الذكاء تعتبر لها الأهلية ولهذا لا يحصل بفعل بهيمة بخلاف هذا.
فصل: وليس له أخذ ورق الشجر، وقال الشافعي: له أخذه لأنه لا يضربه، وكان عطاء يرخص في أخذ ورق السنا يستمشي به ولا ينزع من أصله، ورخص فيه عمروبن دينار.
ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخبط شوكها ولا يعضد شجرها. رواه مسلم؛ ولأن ما حرم أخذه حرم كل شيء منه كريش الطائر وقولهم: لا يضر به لا يصح فإنه يضعفها وربما آل إلى تلفها.
فصل: ويحرم قطع حشيش الحرم إلا ما استثناه الشرع من الإذخر وما أنبته الآدميون واليابس لقوله عليه السلام: لا يختلى خلاها وفي لفظ لا يحتش حشيشها، وفي استثناء النبي صلى الله عليه وسلم الإذخر دليل على تحريم ما عداه وفي جواز رعيه وجهان.
أحدهما: لا يجوز، وهو مذهب أبي حنيفة لأن ما حرم إتلافه لم يجز أن يرسل عليه ما يتلفه كالصيد.
والثاني: يجوز، وهو مذهب عطاء والشافعي لأن الهدايا كانت تدخل الحرم فتكثر فيه فلم ينقل أنه كانت تسد أفواهها ولأن بهم حاجة إلى ذلك أشبه قطع الإذخر. اهـ
وبناء عليه فان كنت أخذت العينات مما أنبته الناس من البقول والزروع والنخل أو مما انكسر من الأغصان وانقلع من الشجر بغير فعل الآدمي و ما سقط من الورق فلا حرج عليك، وإن كنت قطعت بعض الأشجار أو الحشائش النابتة بالحرم مما لم يزرعه الناس فعليك ضمانه، كما سبق في الفتوى رقم: 44043.
وقال ابن قدامة في المغني:
فصل: ويجب في إتلاف الشجر والحشيش الضمان، وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن ابن عباس وعطاء، وقال مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر: لا يضمن لأن المحرم لا يضمنه في الحل فلا يضمن في الحرم كالزرع، وقال ابن المنذر: لا أجد دليلا أوجب به في شجر الحرم فرضا من كتاب ولا سنة ولا إجماع وأقول كما قال مالك: نستغفر الله تعالى.
ولنا ما روى أبو هشيمة قال: رأيت عمر بن الخطاب أمر بشجر كان في المسجد يضر بأهل الطواف، فقطع وفدى قال: وذكر البقرة. رواه حنبل في المناسك. وعن ابن عباس أنه قال في الدوحة بقرة، وفي الجزلة شاة، والدوحة الشجرة العظيمة، والجزلة الصغيرة. وعن عطاء نحوه، ولأنه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم فكان مضمونا كالصيد ويخالف المحرم فإنه لا يمنع من قطع شجر الحل ولا زرع الحرم. إذا ثبت هذا، فإنه يضمن الشجرة الكبيرة ببقرة والصغيرة بشاة والحشيش بقيمته والغصن بما نقص، وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي: يضمن الكل بقيمته لأنه لا مقدر فيه فأشبه الحشيش.
ولنا قول ابن عباس وعطاء ولأنه أحد نوعي ما يحرم إتلافه فكان فيه ما يضمن بمقدر كالصيد، فإن قطع غصنا أو حشيشا فاستخلف احتمل سقوط ضمانه، كما إذا جرح صيدا فاندمل شعر آدمي فنبت واحتمل أن يضمنه لأن الثاني غير الأول. انتهى.
والله أعلم.