السؤال
أرجو تفسير الآيات 6***61 من سورة التوبة ؟
وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد جاءت الآية السادسة من سورة التوبة في سياق حديث القرآن الكريم عن قتال المشركين بعد انتهاء مدة العهد وانسلاخ الأشهر الحرم حيث يقول تعالى : فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم {التوبة: 5 } وفي هذا السياق يقول تعالى في الآية السادسة آمرا لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأولياء الأمر من بعده : وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه {التوبة : 6 } قال أهل التفسير : وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وحصارهم وأخذهم ورصدهم استجار بك وسأل أمانك وذمتك فأعطه ذلك حتى يسمع القرآن وأحكامه وأوامره ونواهيه، فإن قبل الإسلام فبها ونعمت، وإن أبى ورفض فرده إلى مأمنه، أي إلى المكان الذي يأمن فيه. قال صاحب الظلال : وبعد انتهاء العهد وانسلاخ الأشهر الحرم وإعلان الحرب يظل الإسلام على سماحته وجديته وواقعيته كذلك، فهو لا يعلنها حرب إبادة على كل مشرك؛ وإنما حملة هداية كلما أمكن ذلك، فالمشركون الأفراد أو الذين لا يجمعهم تجمع جاهلي يتعرض للإسلام ويتصدى له يكفل لهم الإسلام في داره الأمن، ويأمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيرهم حتى يسمعوا كلام الله ويتم تبليغهم فحوى هذه الدعوة، ثم يحرسهم حتى يبلغوا مأمنهم، هذا كله وهم مشركون!! إن هذا يعني أن الإسلام حريص على كل قلب بشري أن يهتدي، وأن المشركين الذين يطلبون الجوار والأمان في دار الإسلام يجب أن يعطوا الجوار والأمان .
وأما الآية رقم ( 61 ) فهي في المنافقين وهي في نوع خاص منهم، وقد فضحهم الله عز وجل في هذه السورة وفي غيرها وبين قبيح أعمالهم وفضح ما تنطوي عليه سرائرهم الخبيثة فقال تعالى : ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم {التوبة: 61 } قال المفسرون : ومن المنافقين صنف يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بألسنتهم وينالون من شخصه ودينه ودعوته بالكذب والباطل ويقولون: هو أذن . أي من قال له شيئا صدقه فينا ومن حدثه صدقه، فإذا جئناه وحلفنا له صدقنا. والأذن هو من يسمع إلى مقال كل أحد ، ومراد المنافقين بهذا القول -قاتلهم الله- أنهم إذا آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وبسطوا فيه ألسنتهم بالكذب والزور وبلغه ذلك اعتذروا له وحلفوا على ذلك فسيقبل منهم لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه، فهو أذن -في زعمهم قبحهم الله- يصدق كل ما يقال لا يفرق بين الحق والباطل اغترارا منهم بحلمه عنهم وصفحه عما يصدر منهم كرما وحلما وتغاضيا عن الجاهلين ، فرد الله تعالى عليهم وأجاب عن قولهم بقوله تعالى : قل أذن خير لكم . كأنه قال : نعم هو أذن؛ ولكن نعم الأذن هو لكونه أذن خير وليس أذنا في غير ذلك. والمعنى : أنه صلى الله عليه وسلم أذن خير للمنافقين ورحمة لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولم يفضح قبائحهم، فكأنه قال : هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم لا أذن سوء، فسلم لهم قولهم فيه؛ إلا أنه فسره بما هو مدح له وثناء عليه، وإن كانوا قصدوا الذم وعدم الفطنة. ومعنى : ورحمة للذين آمنوا منكم . أي الذين أظهروا الإيمان منكم وإن لم يكونوا مؤمنين في الحقيقة، وفيه تنبيه على أنه ليس يقبل قولهم جهلا بحالهم بل رفقا بهم ورحمة لحالهم. ومعنى : يؤمن بالله . يصدق به وبكل ما جاء من عنده. ومعنى : ويؤمن للمؤمنين . يصدقهم لما علم من صدق إيمانهم وإخلاص نياتهم. ومعنى "والذين يؤذون رسول الله" بالقول والفعل "لهم عذاب أليم" في الدنيا بالقتل، فالذي يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم حده القتل، وأما في الآخرة فمصيره النار وبئس القرار . اهـ . ملخصا من كتب التفسير .
والله أعلم .