السؤال
كان علي ثلاث كفارات أيمان ولم أعلم كيف أخرجها فقمت بالاتصال على دار الفتوى في مدينتنا وقالوا لي إنه يجوز إخراجها نقدا وبالفعل أخرجتها نقدا كل كفارة لعشرة مساكين.. ولكن أعطيتها لهؤلاء المساكين دون أن أحدد لهم أن ينفقوها على الطعام أو الكسوة أخرجتها وفي نيتي أنما أنها كفارات.. ولكن بعدها سمعت أنه لا يجوز إخراجها نقدا... وإذا أخرجتها نقدا فعلي أن أحدد لهم مجال إنفقها للطعام أو الكسوة... فهل علي إعادة هذه الكفارات، مع العلم بأني لم أفعل ذلك إلا حسب رأي دار الفتوى عندنا وأنا أعلم أنه من سأل أهل العلم وأفتوا له برأي لا إثم ولا حرج عليه فأفيدوني جزاكم الله كل خير ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف أهل العلم رحمهم الله تعالى في إخراج النقد في الكفارة بدلا عن العتق والكسوة والإطعام فذهب أكثرهم إلى عدم الإجزاء، وذهبت طائفة إلى إجزاء ذلك ولم يشترطوا على المخرج أن يشترط على من دفعها إليهم أن يصرفوها في الطعام أو الكسوة، بل عدم الاشتراط هو الصواب لأن الاشتراط ينافي التمليك والذي نختاره أنه لا مانع من إخراج الكفارة نقودا وعلى ذلك فكفارتك صحيحة ولله الحمد.
وننبهك إلى أن من استفتى أهل العلم الموثق بهم فأفتوه بشيء ثم علم من آخرين ما يخالف ذلك فلا يلتفت إليه، لأن ذلك يؤدي إلى الاضطراب وفي خلاف أهل العلم سعة على الخلق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل، ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه... ولهذا لما استشار الرشيد مالكا أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منعه من ذلك، وقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم.
وصنف رجل كتابا في الاختلاف فقال أحمد: لا تسمه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة، ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة.... لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالا، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة، وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.
ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي وغيره، إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه. انتهى.
والله أعلم.