السؤال
أدعو الله أن يوفقكم ويزيدكم علما وهدى وأرجو أن يتسع وقتكم للإجابة عن الحالة الآتية :
يملك شخص متجرا كبيرا على غرار أسواق بن داود في مكة .فللحريف أن يختار ما يريد شراءه ثم يقوم بدفع قيمة المشتريات عند باب الخروج . وقد قام صاحب المتجر بتركيز كاميرات للمراقبة فهاله ما كشفت هذه الكاميرات من سرقات واختلاسات يومية .
ألقى علي بعض الأسئلة وإليكموها عسى أن تساعدونا في إيجاد حكم شرعي لهذه الظاهرة .
1- يوجد أشخاص ( خاصة من النسوة ) يقومون بسرقة مأكولات ( بسكويت ...) وربما يكونون في حاجة إلى تلك المأكولات لظروف اجتماعية ( مطلقة .. ) فهل يطالبهم بدفع قيمة المنهوبات ؟ حتى وإن تكرر الفعل من نفس الشخص ؟
2- بالمقابل هناك أصناف من الناس يأتون دوريا بل ربما يوميا لسرقة ما ليس بضروري ( مثل العطورات والشامبو أو اللوز...) .
كيف التعامل مع هذا الصنف ؟ هل يطالبهم بقيمة المسروقات المضبوطة فقط ثم يخلي سبيلهم ؟ هل يجوز له أن يرغم السارق على دفع قيمة المسروقات المضبوطة ولكن مضاعفا إلى 2 أو5 مرات مثلا نظرا لتعود هؤلاء على السرقة ؟ إذ ضبط شخص يسرق يوميا اللوز ولما طالبه البائع بدفع ما يقارب 20 مرة قيمة ما وقع ضبطه معه دفع بكل بساطة ولم يبد أي علامة ندم أو إحراج . بل حين طالبه صاحب المتجر بالتوقيع على التزام بعدم زيارة المتجر مستقبلا احتج واستنكر الالتزام .
هل يسلم هؤلاء للسلطة التي لا تحكم بشرع الله ؟ وربما يدخل السارق السجن فيخرج منه أكثر نقمة وأكثر خبرة في فن السرقات ؟
وهل يجوز لصاحب المتجر الرفع في قيمة المعروضات تعويضا عما يخسره جراء ما يقوم به بعض الزائرين من نهب واختلاس ؟ وبذلك يتحمل الجميع ما يرتكبه البعض ؟
أرجو الإفادة – نفع الله بكم وألهمكم الرشد والسداد .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن علم من هؤلاء أنه فقير معدم لا يجد ما يشترى به ما يأكل أو يشرب أو يلبس ونحو ذلك من الضرورات له ولمن يعول ولم يجد من يوفر له ذلك، واضطر إلى السرقة ليدفع عن نفسه أو عائلته الجوع والهلاك فإن معاقبته على هذه السرقة لا تجوز لأنه في مثل هذه الحالة يجب بذل الطعام ونحوه له، إلا إذا كان من يملك ذلك مضطرا إليه أيضا فإنه في هذه الحالة أحق به من غيره ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أطعموا الجائع. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: المضطر إلى طعام الغير إن كان فقيرا فلا يلزمه عوض إذ إطعام الجائع وكسوة العاري فرض كفاية، ويصيران فرض عين على المعين إذا لم يقم به غيره. وقال الإمام ابن قدامة في المغني: قال أحمد: لا قطع في المجاعة يعني أن المحتاج إذا سرق ما يأكله فلا قطع عليه لأنه كالمضطر. وهذا محمول على من لا يجد ما يشتريه أو لا يجد ما يشتري به..اهـ
وأما من لم يعلم أنه فقير معدم على حسب ما وصفنا أو كان يسرق الكماليات أو يسرق مع كونه يجد ما يشتري به فالمشروع في هذه الحالة استرداد المسروق منه إذا كان باقيا على حاله، أو تغريمه قيمة ما سرق دون زيادة على ذلك إذا كان المسروق قد تغير، وهذا لعموم قوله تعالى:
وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل:126} مع نصيحته والستر عليه، اللهم إلا أن يتكرر منه ذلك فيرفع أمره إلى من يأخذ على يديه ويكفه عن السرقة.
ولا بأس برفع أسعار المعروضات تعويضا عما يتعرض له المحل من سرقات، وإن كنا لا ننصح بذلك لما في ذلك من تنفير الناس عن هذا المحل.
ولعل من المناسب أن نختم الفتوى بهذا الحديث الذي فيه الحض على إطعام الفقراء والمساكين والرأفة بهم، ففي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما مسلم أطعم مسلما على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، أيما مسلم سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم.
تنبيه : هذا الحديث وإن تكلم في سنده فإنه يسوغ الاستئناس به في هذا الباب : (باب فضائل الأعمال).
والله أعلم.