السؤال
لدي بستان كبير من الزيتون وفي موسم القطاف أعطيه لشخص ليقطف الزيتون مقابل النصف الناتج فهل الزكاة واجبة على كل منا؟ قبل تقسيمه مناصفة أم بعد ذلك .وهل الزكاة تكون قبل عصره أم بعد ذلك علما أن صاحب المعصرة يأخذ حقه زيتا أو مالا.
وهل إعطاء النصف للشخص كثير أم يجوز ذلك. وهل هناك غرر في هذا إذ إن الأجرة لا تعلم، لا تعرف، إلا بعد نهاية القطف وتكون نصف المنتوج. وإذا اتفقت مع هذا الشخص على أن يتولى أمر البستان طوال العام فيقوم بحرثه وتسميده وقطفه فكيف تؤدى الزكاة وما الفرق بين الحالتين؟ أرجو إجابة تفصيلية لأعلم نفسي وأهل قريتي فنحن نأخذ بالمذهب الموجب لزكاة الزيتون. بارك الله فيكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء -رحمهم الله تعالى- في وجوب الزكاة في الزيتون.. فتجب عند الحنفية، وهو قول الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري، وهو قول الشافعي في القديم، ورواية عن أحمد، وهو مروي عن ابن عباس، لقوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده {الأنعام: 141} بعد أن ذكر الزيتون في أول الآية. ولأنه يمكن ادخار غلته فأشبه التمر والزبيب.
وذهب الشافعية في الجديد وأحمد في الرواية الأخرى إلى أنه لا زكاة في الزيتون لأنه لا يدخر يابسا، فهو كالخضراوات وهي لا زكاة فيها، قال الإمام النووي -رحمه الله- في المجموع: وأصح ما روي في الزيتون قول الزهري: مضت السنة في زكاة الزيتون أن تؤخذ، فمن عصر زيتونه حين يعصره فيما سقت السماء أو كان بعلا العشر، وفيما سقي برش الناضح نصف العشر، وهذا موقوف لا يعلم اشتهاره، ولا يحتج به على الصحيح. وعلى القول بوجوب الزكاة فإنها تجب من حين ظهور الصلاح فيه، قال النووي في المجموع: إن قلنا بالقديم: أن الزكاة تجب في الزيتون. قال أصحابنا: وقت وجوبه بدو صلاحه وهو نضجه واسوداده.
وقال الباجي المالكي:الزيتون بدو صلاحه أن ينحو إلى السواد.
وعلى مالكه زكاة الجميع، ولا يصلح أن يخصم أجرة القاطف. قال الكمال بن الهمام في فتح القدير: وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر لا يحتسب فيه أجر العامل ونفقة البقر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤونة، فلا معنى لرفعها. انتهى
وقال الباجي في شرح الموطأ: وعلى رب الزيتون والحيوان أن يحتسب في ذلك بما استأجر منه، وبما علف وأكل فريكا من الحب، لأن الزكاة قد تعلقت به بعد بدو صلاحه، ووجب عليه تخليصها بماله، فما استأجر به على تخليصها منه، فهو من حصته. انتهى
وقال النووي في المجموع: قال أصحابنا: ومؤونة تجفيف التمر وجذاذه وحصاد الحب وحمله ودياسه وتصفيته وحفظه وغير ذلك من مؤونة تكون كلها من خالص مال المالك، لا يحتسب منها شيء من مال الزكاة بلا خلاف. انتهى
وقال ابن قدامة في المغني: والمؤونة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال، لأن الثمرة كالماشية، ومؤونة الثمرة والماشية ورعيها والقيام عليها إلى حين الإخراج، على ربها كذا هاهنا. انتهى
وذهب بعض العلماء إلى أن المؤونة تحط من رأس مال المحصود، وتخرج الزكاة عن الباقي إن بلغ نصابا، وهذا ما نقله صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح قال: تكون المؤونة من وسط المال لا يختص بتحملها المالك دون الفقراء، لأن المال للجميع فوزعت المؤونة عليهم . والأول أرجح وأحوط.
وتؤخذ الزكاة منه زيتا بعد عصره إن كان لا يدخر حبا؛ وإلا أخذت حبا. ففي الموسوعة الفقهية الكويتية: والزيتون عند من قال تؤخذ منه الزكاة، إن كان من الزيتون الذي يعصر منه الزيت يؤخذ العشر من زيته بعد عصره، ولو كان زيته قليلا؛ لأنه هو الذي يدخر فهو بمثابة التجفيف في سائر الثمار. وإن كان يدخر حبا، فيؤخذ عشره حبا إذا بلغ الحب خمسة أوسق. وهذا مذهب المالكية والحنابلة. قال مالك: إذا بلغ الزيتون خمسة أوسق أخذ الخمس من زيته بعد أن يعصر. وذهب أبو حنيفة إلى أنه يخرج العشر منه حبا على كل حال.
وأما إعطاء الشخص نصف الثمرة أجرة مقابل عمله فجائز، ومرجع ذلك إلى الاتفاق والتراضي، ولا غرر في ذلك لأنه يكفي في الأجرة رؤيتها، فيكفي رؤية الزيتون وتحديد نصفه أو ربعه أجرة ما دام سيقطف الجميع. قال البهوتي الحنبلي في كشاف القناع: ويجوز نفض كله أي الزيتون ونحوه ولقطه ببعضه مشاعا كالثلث والسدس. اهـ.
وأما إذا فوضت أمر البستان إلى شخص ليقوم بإصلاحه وتسميده وقطفه ونحو ذلك، واتفقتم على أن لكل واحد نصف الثمرة أو لواحد ثلثها وللآخر الباقي فهذه مساقاة جائزة، والدليل على جوازها حديث ابن عمر المتفق عليه وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر، وفي رواية لهما -أي الشيخين- فسألوه أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمر. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقركم بها على ذلك ما شئنا، فقروا بها حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه.
ومن أدلة جوازها أيضا ما رواه البخاري من أن الأنصار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: لا. فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة. قال: نعم. قالوا: سمعنا وأطعنا .
قال ابن قدامة في المغني: المساقاة جائزة في جميع الشجر المثمر، هذا قول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. وبه قال سعيد بن المسيب، وسالم، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال داود: لا يجوز إلا في النخيل؛ لأن الخبر إنما ورد بها فيه، وقال الشافعي: لا يجوز إلا في النخيل والكرم؛ لأن الزكاة تجب في ثمرتهما، وفي سائر الشجر قولان: أحدهما لا يجوز فيه؛ لأن الزكاة لا تجب في نمائه، فأشبه ما لا ثمرة له. وقال أبو حنيفة، وزفر: لا تجوز بحال؛ لأنها إجارة بثمرة لم تخلق، أو إجارة بثمرة مجهولة، أشبه إجارة نفسه بثمرة غير الشجر الذي يسقيه.
وفي هذه الحالة لا يجب على مالك الشجر زكاة جميع الثمر بل عليه زكاة نصيبه، وعلى العامل زكاة نصيبه إذا بلغ نصيب كل واحد منهما نصابا على قول من يرى من أهل العلم أن الخلطة لا تؤثر في غير المواشي كما عليه أكثر أهل العلم.
والله أعلم.