المولد النبوي، ويوم شم النسيم: نشأتهما.. حقيقتهما.. حكمهما

0 1313

السؤال

لماذا يكون المولد النبوي دائما يوم الاثنين وعيد شم النسيم دائما يوم الاثنين أيضا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فإنه قبل الجواب عن استفسارك الخاص بتصادف اجتماع عيد المولد وعيد شم النسيم في ‏يوم واحد هو يوم الاثنين، لا بد من بيان حقيقة عيد شم النسيم ونشأته، وحكم احتفال ‏المسلمين به، وحقيقة المولد النبوي ونشأته، وحكم الاحتفال به أيضا.‏
أما عيد شم النسيم أو الربيع - كما يطلق عليه- فهو أحد أعياد مصر الفرعونية، وترجع ‏بداية الاحتفال به بشكل رسمي إلى ما يقرب من 4700 عام (270) قبل الميلاد، وترجع ‏تسمية "شم النسيم" إلى الكلمة الفرعونية (شمو) وهي كلمة هيروغليفية، ويرمز بها عند ‏قدماء المصريين إلى بعث الحياة، وكانوا يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، وفيه بدأ ‏خلق العالم. وأضيفت كلمة ( النسيم) إليه لارتباط هذا اليوم باعتدال الجو، حيث تكون ‏بداية الربيع. ولا بد من الإشارة أن اليهود من المصريين - على عهد سيدنا موسى عليه ‏السلام- قد أخذوا عن الفراعنة المصريين احتفالهم بهذا العيد، وجعلوه رأسا للسنة العبرية، ‏وأطلقوا عليه اسم " عيد الفصح" والفصح: كلمة عبرية تعني: ( الخروج أو العبور) ‏وذلك أنه كان يوم خروجهم من مصر، على عهد سيدنا موسى عليه السلام. وعندما ‏دخلت المسيحية مصر عرف ما يسمى بـ:"عيد يوم القيامة" والذي يرمز إلى قيام المسيح ‏من قبره - كما يزعمون - واحتفالات النصارى بشم النسيم بعد ذلك جاءت موافقة ‏لاحتفال المصريين القدماء، ويلاحظ أن يوم شم النسيم يعتبر عيدا رسميا في بعض البلاد ‏الإسلامية تعطل فيه الدوائر الرسمية! كما يلاحظ أيضا أن النصارى كانوا ولا يزالون ‏يحتفلون بعيد الفصح ( أو عيد القيامة) في يوم الأحد، ويليه مباشرة عيد شم النسيم يوم ‏الاثنين. ومن مظاهر الاحتفال بعيد ( شم النسيم) أن الناس يخرجون إلى الحدائق ‏والمتنزهات بمن فيهم النساء والأطفال، ويأكلون الأطعمة وأكثرها من البيض، والفسيخ ( ‏السمك المملح) وغير ذلك. والملاحظ أن الناس قد زادوا على الطقوس الفرعونية، مما ‏جعل لهذا العيد صبغة دينية، سرت إليه من اليهودية والنصرانية، فأكل السمك والبيض ‏ناشئ عن تحريمهما عليهم أثناء الصوم الذي ينتهي بعيد القيامة ( الفصح) حيث يمسكون ‏في صومهم عن كل ما فيه روح أو ناشئ عنه، كما أن من العادات تلوين البيض بالأحمر، ‏وربما كانوا يرمزون بذلك إلى دم المسيح ( المصلوب) حسب اعتقادهم الباطل المناقض ‏للقرآن الكريم، وإجماع المسلمين المنعقد على عدم قتل المسيح وعدم صلبه، وأنه رفع إلى ‏السماء كما يقول الله جل وعلا في محكم كتابه: (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن ‏مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ‏ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا) (النساء:157) ‏
‏(بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) (النساء:158) ‏
وعلى أية حال فلا يجوز للمسلم مشاركة النصارى وغيرهم في الاحتفال بشم النسيم ‏وغيره من الأعياد الخاصة بالكفار، كما لا يجوز تلوين البيض في أعيادهم، ولا التهنئة ‏للكفار بأعيادهم، وإظهار السرور بها، كما لا يجوز تعطيل الأعمال من أجلها لأن هذا من ‏مشابهة أعداء الله المحرمة ومن التعاون معهم على الباطل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه ‏وسلم أنه قال: " من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أحمد، وأبو داود، وابن أبي شيبة وغيرهم. ‏قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا ‏القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا ‏يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر ‏والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (المائدة:2)‏.
ومن أراد التوسع في هذا الموضوع فليراجع كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم للإمام ابن ‏تيمية رحمه الله.‏
أما الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم واتخاذ يوم ولادته عيدا فهو أمر محدث ‏مبتدع، وأول من أحدثه هم الفاطميون ( العبيديون ) كما صرح بذلك جمع من الأئمة، ‏قال الإمام المقريزي في كتابه الخطط المسمى بـ ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ‏‏): (كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي: موسم رأس السنة، ‏وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي ‏طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن: ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة ‏الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول ‏شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، ‏وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، ‏وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام ‏الركوبات…إلخ (1/432) طبعة دار صادر بيروت .
وقال الشيخ محمد بخيت المطيعي ‏الحنفي مفتي الديار المصرية سابقا، في كتابه: أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من ‏الأحكام ص44 ( مما أحدث وكثر السؤال عنه المولد، فنقول: إن أول من أحدثها ‏بالقاهرة: الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله، توجه من المغرب إلى مصر في شوال ‏سنة ( 361) إحدى وستين وثلاثمائة هجرية، فوصل إلى ثغر إسكندرية في شعبان سنة ‏‏362 ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان في تلك السنة فابتدعوا: ستة موالد : ‏المولد النبوي، ومولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ‏ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر. وبقيت هذه الموالد على رسومها ‏إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش ... وفي خلافة الآمر بأحكام الله أعاد الموالد الستة ‏المذكورة قبل، بعد أن أبطلها الأفضل وكاد الناس ينسونها… ثم قال المطيعي أيضا: ( من ‏ذلك تعلم أن مظفر الدين إنما أحدث المولد النبوي في مدينة إربل على الوجه الذي ‏وصف، فلا ينافي ما ذكرناه من أن أول من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ‏ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد بالله أبي محمد عبد الله بن الحافظ بن ‏المستنصر في يوم الاثنين عاشر المحرم سنة (567) هجرية، وما كانت الموالد تعرف في دولة ‏الإسلام من قبل الفاطميين ) ثم قال: ( وأنت إذا علمت ما كان يعمله الفاطميون، ومظفر ‏الدين في المولد النبوي جزمت أنه لا يمكن أن يحكم عليه بالحل).‏
ومما تقدم نعلم أن الاحتفال بهذه المناسبة بدعة منكرة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه ‏وسلم، ولا صحابته، ولا من جاء بعدهم من السلف. قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء ‏الصراط المستقيم: ( لم يفعله السلف الصالح مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه. ولو ‏كان هذا خيرا محضا أو راجحا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا ‏أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما ‏كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنا وظاهرا، ونشر
ما ‏بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين ‏من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان) صفحة 295.
وعلى أية حال: فإذا كان ‏الرسول صلى الله عليه وسلم قد ولد يوم الاثنين فإنه قد توفي صلى الله عليه وسلم يوم ‏الاثنين، وما أحسن ما قاله ابن الحاج المالكي في كتابه المدخل: ( العجب العجيب ‏كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور، كما تقدم لأجل مولده صلى الله عليه ‏وسلم في هذا الشهر الكريم، وهو صلى الله عليه وسلم فيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل، ‏وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدا، فعلى هذا ‏كان يتعين البكاء والحزن الكثير، وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به، لقوله صلى الله ‏عليه وسلم: " ليعزي المسلمون في مصائبهم المصيبة بي ...إلخ ) ومن هنا فإننا نقول بعدم ‏جواز الاحتفال بمناسبة المولد النبوي، كما يجدر التنبيه إلى أن اليوم الموافق لميلاد النبي ‏صلى الله عليه وسلم لا يأتي دائما يوم الاثنين بل يختلف باختلاف الأعوام، ولكن يوم شم ‏النسيم يأتي دائما يوم الاثنين لأن النصارى يعدلون في موعد صومهم كل عام حتى يتوافق مع مجيء (شم النسيم) ‏يوم الاثنين.‏
وأخيرا: ننصح السائل الكريم بعدم الاحتفال بمثل هذه المناسبات التي ما أنزل الله بها من ‏سلطان. ومن أراد المزيد فليرجع إلى عدة كتب ورسائل كتبت في هذا الموضوع ومنها: ‏حكم الاحتفال بالمولد النبوي للشيخ ابن باز، والقول الفصل في الاحتفال بمولد خير ‏الرسل للشيخ إسماعيل الأنصاري، والمدخل لابن الحاج.
‏ والله أعلم.‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة