السؤال
رجل يصلي ولكنه يتكاسل عن أداء بعض الصلوات فى أوقاتها وخاصة صلاة المغرب فما الحكم في ذلك ؟ وهل أداء الصلاة فى البيت أو العمل دون المسجد يجوز للرجل؟ وهل كثرة العمل وانشغال الرجل بعمله يعد عذرا مقبولا لعدم أداء الصلاة في أوقاتها ؟ وهل يبارك الله في العمل أو المكسب أو الرزق الذى يقعد الرجل عن الصلاة فى وقتها ؟ أرجو الافادة مع بيان كيف يكون المسلم خاشعا في صلاته لأنه كثيرا ما ينشغل ويفكر في أشياء كثيرة أثناء الصلاة ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فمن المعلوم أن الله قد افترض على عباده فرائض وأمرهم أن لا يضيعوها، وحد لهم حدودا وأمرهم أن لا يعتدوها، وكان من أعظم ما افترض عليهم بعد الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، إقامة الصلاة ، والمحافظة عليها، ورعاية شأنها. وقد تواترت نصوص الكتاب والسنة الآمرة بإقامة الصلاة، والحاضة عليها ، والمحذرة من الإخلال بها، وأجمعت الأمة على عظيم خطرها وجلالة شأنها، وذم من تركها أو تهاون في أمرها. بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمى الصلاة عماد الإسلام الذي إن أقامه العبد فقد أقام الإسلام وإن هدمه هدم الإسلام. كما ثبت في سنن الترمذي من حديث معاذ بن جبل المشهور أنه صلى الله عليه وسلم قال:"رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة".[ رواه الترمذي وصححه]. وأيضا فقد استفاض عن رسول الله الوعيد الشديد ، والتهديد الأكيد لتارك الصلاة: فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" .[ رواه الترمذي وقال حسن صحيح] ، وثبت عنه أيضا أنه قال:" بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة".
وروى الترمذي عن عبد الله بن شفيق العقيلي أنه قال:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة". وقال جل وعلا ذاما من ضيعها وتهاون فيها: ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا * إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا). [ مريم : 59-60 ]. وغير ذلك من الآيات والأحاديث. فإذا علم هذا فإن من تهاون في أداء بعض الصلوات جرمه عظيم، وخطيئته كبيرة، وبعض الناس يعتمد على سعة رحمة الله وغفرانه، وهذا غلط بين ، وجهل بأوامر الشرع، بل هذا من الطمع المذموم العاري عن صحة الاعتقاد والعمل، ولو أحسن الظن بالله حقا لأحسن العمل. وقد نص كثير من أهل العلم أن من أصر على ترك بعض الصلوات بلا عذر أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل ـ وهو قول الجمهور ـ. بل ذهب طائفة من أهل العلم إلى كفره والعياذ بالله تعالى. والواجب على هذا المفرط في أمر صلاة أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يتذكر أن الموت قد يهجم عليه في أي حين وفي آية حال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ب ـ اتفق الفقهاء على استحباب الصلاة في المسجد حيث ينادى بها مع الجماعة. ثم اختلفوا في وجوبها مع الجماعة في المسجد. فذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما إلى أن ذلك سنة لا واجب . وذهبت طائفة من أهل العلم إلى وجوب ذلك وهو مذهب أحمد رضي الله عنه. والأقرب ـ والعلم عند الله تعالى ـ القول الثاني لأدلة كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع. جـ كثرة العمل والانشغال ليس بعذر سائغ شرعا لترك الصلاة ، وفاعل ذلك مستحق للعقوبة الشديدة، وقد قدمنا ذلك في أول الإجابة. ولا ريب أن الانشغال بالدنيا عن الواجبات الشرعية من أعظم ما يمحق بركة الزرق ويضيق المعيشة، وفاعل ذلك مغبون خاسر لأنه استبدل العاجل بالباقي، والدنيا بالآخرة وقد قال تعالى: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) .[ البقرة :61]. ء ـ لا ريب أن الخشوع في الصلاة من أهم ما ينبغي أن يصرف العبد إليه همه ، فإن الله جل وعلا قد امتدح المؤمنين بقوله: ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون). [ المؤمنون : 1-2 ]. والمصلي إذا قام بين يدي ربه فإنما هو يناجي ربه ومولاه، فلا يليق به أن يكون حاضرا بجسده غائبا بقلبه وروحه. ومن الأسباب المعينة على الخشوع، أن يهيئ العبد نفسه لهذا المعنى قبل الشروع في الصلاة ، بأن يتذكر أنه الآن إنما يقوم بين يدي ربه وأنه يتلو آياته ، والله مطلع عليه عالم بسريرته - قال تعالى : (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه). [ يونس : 61]. ومن الأسباب المعينة أيضا إحسان الوضوء ، والبعد عن الأماكن التي تشوش الذهن، وأداء الفرائض في بيوت الله. ويحسن بالعبد لو اطلع على بعض المصنفات في ذلك مثل : كتاب الخشوع في الصلاة "للحافظ زين الدين ابن رجب الحنبلي" ومن الكلام النافع الجامع أيضا كلام ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" في هذا الباب.
والله أعلم.