السؤال
أثناء القراءة في الصلاة الجهرية أجمع أحيانا بين آخر سورة وأول السورة التي تليها، كآخر الحجر مع أول النحل، مع البسملة جهرا بينهما، فما حكم البسملة جهرا؟ علما أني أقرأ برواية قالون عن نافع.
أثناء القراءة في الصلاة الجهرية أجمع أحيانا بين آخر سورة وأول السورة التي تليها، كآخر الحجر مع أول النحل، مع البسملة جهرا بينهما، فما حكم البسملة جهرا؟ علما أني أقرأ برواية قالون عن نافع.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فإن الإتيان بالبسملة بين السورتين جهرا، صواب، ما دمت تقرأ على رواية قالون عن نافع، لكن المشهور في مذهب مالك أن البسملة لا يؤتى بها في الفرض، لا جهرا، ولا سرا، قال القرطبي: وجملة مذهب مالك، وأصحابه: أنها ليست عندهم آية من فاتحة الكتاب، ولا غيرها، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة، ولا في غيرها سرا، ولا جهرا، ويجوز أن يقرأها في النوافل. هذا هو المشهور من مذهبه عند أصحابه. انتهى. وقال سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم الشنقيطي في نشر البنود بعد أن نقل كلام الحافظ ابن حجر في أن القارئ يعتبر في الإتيان بالبسملة وعدم الإتيان، القراءة التي يقرأ بها، كان ذلك في الصلاة، أو في غيرها، بغض النظر عن كونه مالكيا، أو شافعيا، أو غير ذلك: قال البقاعي: وهذا من نفائس الأنظار، لكنه مخالف لما في تحصيل المنافع على الدرر اللوامع، ولفظه: ولا يبسمل مالك في صلاة الفرض، ولو قرأ برواية من يبسمل، بخلاف النافلة، قال أبو الحسن الحصري:
وإن كنت في غير الفريضة قارئا * فبسمل لقالون لدى السور الزهر. انتهى.
لكن كراهة الإتيان بالبسملة في الفرض في المذهب المالكي، تنتفي بقصد الخروج من الخلاف، بل إنها مستحبة حينئذ، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي: محل الكراهة: إذا أتى بها على وجه أنها فرض، سواء قصد الخروج من الخلاف أم لا، ومحل الندب إذا قصد بها الخروج من الخلاف، من غير ملاحظة كونها فرضا أو نفلا؛ لأنه إن قصد الفرضية كان آتيا بمكروه، ولو قصد النفلية، لم تصح عند الشافعي، فلا يقال له حينئذ: إنه مراع للخلاف؛ وحينئذ فيكره، كما إذا قصد الفرضية، والظاهر الكراهة أيضا إذا لم يقصد شيئا. انتهى.
ومع أن السنة تحصل بقراءة ما زاد على الفاتحة، ولو آية، إلا أن الأفضل هو قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة، كما صرح بذلك الفقهاء، قال النووي في المجموع في الفقه الشافعي: يستحب أن يقرأ الإمام، والمنفرد بعد الفاتحة شيئا من القرآن في الصبح، وفي الأوليين من سائر الصلوات، ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيء من القرآن، ولكن سورة كاملة أفضل، حتى أن سورة قصيرة أفضل من قدرها من طويلة; لأنه إذا قرأ بعض سورة، فقد يقف في غير موضع الوقف، وهو انقطاع الكلام المرتبط، وقد يخفى ذلك. انتهى
ويرى المالكية أن الاقتصار على بعض السورة في صلاة الفرض مكروه، وكذلك الزيادة على السورة، قال الشيخ أحمد الدردير في الشرح الكبير على مختصر خليل في الفقه المالكي، عند قول المؤلف: وسننها: سورة بعد الفاتحة في الأولى، والثانية، والمراد: قراءة ما زاد على أم القرآن، ولو آية، أو بعض آية له بال، في كل ركعة بانفرادها، على الأظهر، وكره الاقتصار على بعض السورة، على إحدى الروايتين، كقراءة سورتين في ركعة في الفرض. انتهى.. وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير معلقا على قوله: وسننها سورة، أي: لا سورتان، ولا سورة، وبعض أخرى، بل هو مكروه، والسنة حصلت بالأولى، والكراهة تعلقت بالثانية. انتهى
وعند الحنابلة روايتان في القراءة من آخر السورة: إحداهما: أن ذلك جائز، لا كراهة فيه، والثانية: أنه مكروه، قال ابن قدامة في المغني: ولا تكره قراءة أواخر السور، وأوساطها، في إحدى الروايتين. نقلها عن أحمد جماعة; لأن أبا سعيد، قال: أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسر. وعن أبي هريرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج، فناد في المدينة، أنه {لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب}. أخرجهما أبو داود. وهذا يدل على أنه لا يتعين الزيادة..
إلى أن قال: والرواية الثانية، يكره ذلك، نقل المروذي، عن أحمد أنه كان يكره أن يقرأ في صلاة الفرض بآخر سورة، وقال: سورة أعجب إلي... ونقل عنه، في الرجل يقرأ من أوسط السور، وآخرها، فقال: أما آخر السور، فأرجو، وأما أوسطها، فلا.
ولعله ذهب في آخر السورة إلى ما روي فيه عن عبد الله، وأصحابه. ولم ينقل مثل ذلك في أوسطها. وقد نقل عنه الأثرم، قال: قلت لأبي عبد الله: الرجل يقرأ آخر السورة في الركعة؟ قال: أليس قد روي في هذا رخصة عن عبد الرحمن بن يزيد، وغيره؟ وأما قراءة بعض السورة من أولها، فلا خلاف في أنه غير مكروه; {فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ من سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون، ثم أخذته سعلة، فركع، وقرأ سورة الأعراف في صلاة المغرب}. انتهى.
والله أعلم.