السؤال
هل نقبل اعتذار من سب صحابة الرسول الذين هم أطهر خلق الله بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل إلى هذا الحد هان علينا ديننا وربنا؟ يجيء جاهل ويسب الصحابة أشهرا متتالية، ثم يقول بكل بساطة آسف وينتهي الموضوع؟ لا بد أن تكون هناك حدودا لهذا الجاهل، هو صحفي فيجب في مثل هذه الحالات حرمانه من الكتابات الصحفية طيلة عمره، رغم أنه مسلم، ولكن من نحن لنقبل أو لنرفض، الله وحده أعلم بنيته إن كان قد أخطأ فعلا عن دون قصد وأقر بخطئه ثم تاب، ولكن أين مراجعو مثل هذه الكتابات، وقد يكون فعل ذلك عمدا من أجل الشهرة، وما أحقرها بهذه الطريقة القذرة والدنيئة.
أرجو توضيح رأيكم في ذلك الأمر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن سب الصحابة من أكبر المنكرات، ومن أعظم الآثام، فإنه انتقاص لمن رفع الله قدرهم وأعلى شأنهم ومدحهم في كتابه بأحسن المحامد، وكذلك مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الطعن فيهم وسبهم تكذيب لله ورسوله، بل وطعن في دين الله تعالى، لأنهم هم الذين نقلوا إلينا هذا الدين، روى الحافظ المزي في كتابه تهذيب الكمال وأبو القاسم الشافعي في كتابه تاريخ مدينة دمشق عن أبي جعفر التستري قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق وذلك أن الرسول عندنا حق والقرآن حق وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح أولى بهم وهم زنادقة. انتهى. ولمزيد الفائدة في فضائل الصحابة انظر الفتوى: 2429، ولمعرفة حكم من سب الصحابة راجع في ذلك الفتوى: 36106.
ومن أقدم على مثل هذا الفعل، فالواجب على ولي أمر المسلمين الأخذ على يده، وتعزيره بما يتناسب وحاله، بحيث يكون عبرة لغيره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: إن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وإن من سبهم وجب تأديبه وعقوبته ولا يجوز العفو عنه. انتهى.
ومن تاب تاب الله عليه، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجلين تنازعا في سب أبي بكر أحدهما يقول: يتوب الله عليه، وقال الآخر لا يتوب الله عليه؟ فقال في الجواب: الصواب الذي عليه أئمة المسلمين أن كل من تاب تاب الله عليه كما قال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. فقد ذكر في هذه الأية أنه يغفر للتائب الذنوب جميعا ولهذا أطلق وعمم وقال في الآية الأخرى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. فهذا في غير التائب، ولهذا قيد وخصص، وليس سب بعض الصحابة بأعظم من سب الأنبياء، أو سب الله تعالى، واليهود والنصارى الذين يسبون نبينا سرا بينهم إذا تابوا وأسلموا قبل ذلك منهم باتفاق المسلمين، والحديث الذي يروى: سب صحابتي ذنب لا يغفر. كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشرك الذي لا يغفره الله يغفره لمن تاب باتفاق المسلمين. انتهى المقصود.
ومن تمام توبة مثل هذا الصحفي المذكور بالسؤال أن يعلن البراءة مما كتب، وأن يبين فضل الصحابة وعلو منزلتهم، وبهذا يمكن معرفة مدى صدقه من كذبه في ادعاء التوبة، قال الله تعالى: إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم {البقرة:160}، قال ابن كثير في تفسيره: أي رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه. انتهى.
والله أعلم.