حدبث ابن عمرو يدل على الجمع بين الماء والتراب

0 458

السؤال

فضيلة الشيخ بالنسبة للفتوى رقم 95421 من أجرى عملية ولا يستطيع استعمال الماء للطهارة، عندي سؤالان: إذا غسلت ما تستطيع وتيممت للباقي فهل يرتفع الحدث الأكبر ويكفي الوضوء للصلاة بعد ذلك إذا كان ما تيممت له لا يدخل في أعضاء الوضوء، أم يجب التيمم مع الوضوء للصلاة كل مرة، في حالة المرض أو البرد الشديد والتي لا تستطيع الغسل معها الموجود في كتب الفقه هو التيمم يكفي، لا يوجد غسل ما يستطاع والباقي يتيمم له، لماذا ذكرتم الغسل مع التيمم، لأن عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل لما تيمم للصلاة لم يقل الرسول صلى لله عليه وسلم له كان يجب عليك غسل ما تستطيع (مثل اليدين مثلا أو القدمين أو الوجه) وتيمم للباقي، الرسول اعتبر البدن وحدة واحدة الطهارة إما الغسل أو التيمم، لأني في الشتاء عند صلاة الفجر اذا احتلمت لا اغتسل اتيمم فقط لصلاة الفجر لأني لا أستطيع نزع الملابس لبرودة الجو وعند الظهر يكون الجو أدفأ فأغتسل، أنا أتيمم فقط حتى إذا كان يمكن غسل اليدين أو يمكن غسل الوجه أنا أفعل مثل عمرو بن العاص تيمم فقط هل صح أم خطأ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجواب الفقرة الأولى من سؤالك: أن من انقطع حيضها لزمها غسل كل البدن شعرا وبشرا، فإن لم تستطع غسل موضع من بدنها لجراحة أو نحوها فإن عليها أن تغسل ما تستطيع، وتمسح على محل الجرح بالماء إن كانت عليه جبيرة، وتتيمم عنه، ثم تصلي، فإذا أحدثت حدثا لا يوجب الغسل بل يوجب الوضوء فقط فيجزئها أن تتوضأ وتتيمم فقط ولا يلزمها غسل سائر البدن، لأن الحدث الأكبر قد ارتفع بالغسل الأول، وإنما تيممت بدلا عن موضع الجرح الذي لم يرتفع حدثه لعدم غسله.

ولذلك لو لم تحدث حدثا أصغر فإنها تصلي ما شاءت من غير الفروض العينية، فإذا أرادت صلاة فرض عيني فإنه يجزئها أن تتيمم فقط ولا يلزمها الوضوء على الأصح لأنها لم تحدث، وأما إذا أحدثت حدثا أصغر فإنها تتوضأ وتتيمم، ويكون التيمم بدلا عن موضع الجراحة الذي لم يرتفع حدثه الأكبر لعدم غسله عن حدث الحيض كما سبق، وكذلك من عليه حدث أصغر فقط وفي أعضاء وضوئه جرح فإنه إذا غسل ما استطاع ومسح وتيمم وصلى فرضا عينيا ثم أراد أن يصلي فرضا عينيا آخر ولم يحدث فإن عليه أن يتيمم فقط، فإذا أحدث لزمه الوضوء والتيمم عن موضع الجرح الذي لم يتمكن من غسله، فإذا كان الجرح في موضع التيمم وجب مسحه بالتراب واستحب بالماء إن كان مكشوفا، وإن كان عليه جبيرة وجب بالماء دون التراب.

قال الإمام النووي في المنهاج: فإذا تيمم لفرض ثان ولم يحدث لم يعد الجنب غسلا، ويعيد المحدث ما بعد عليله، وقيل: يستأنفان، وقيل: المحدث كجنب. قلت -القائل النووي-: هذا الثالث أصح. أي لا يلزمه إلا التيمم ما دام لم يحدث. قال الإمام المحلي رحمه الله في شرحه على المنهاج: واحترز -النووي- بقوله: ولم يحدث عما إذا أحدث، فإنه... يغسل الصحيح من أعضاء الوضوء، ويتيمم عن العليل منها وقت غسله، ويمسح الجبيرة بالماء إن كانت، وإن كانت العلة بغير أعضاء الوضوء تيمم الجنب مع الوضوء للجنابة. انتهى. أي أن التيمم شرع بدلا عن موضع الجرح الذي لا يزال حدثه باقيا لعدم غسله سابقا، فإذا شفي لزمه غسل ذلك الموضع بالماء فارتفعت جنابته وسقط التيمم الذي هو بدل عنه.

وأما جواب الفقرة الثانية فإن من عجز عن استعمال الماء للبرد فإن عليه أن يغسل ما استطاع من بدنه ويتيمم عن الباقي للقاعدة الشرعية المشهورة (الميسور لا يسقط بالمعسور) ودليلها من القرآن قوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم  {التغابن:16}، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. متفق عليه.

وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما له روايتان إحداهما تدل على وجوب الجمع بين الماء والتراب حسب القدرة، والحديث رواه أبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين وقال عنه الزيلعى في نصب الراية: والحاصل أن الحديث حسن أو صحيح عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا. وفي رواية: فغسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم صلى بهم... وجمع البيهقي بين رواية التيمم ورواية غسل المغابن والوضوء فقال: فيحتمل أنه غسل ما قدر عليه وتيمم للباقي. قال النووي في المجموع: وهذا الذي قاله البيهقي متعين لأنه إذا أمكن الجمع بين الروايتين تعين. والله أعلم.

فالحديث كما ترين يدل على الجمع بين الماء والتراب، وكذلك كلام أهل العلم رحمهم الله تعالى. فننصحك بعدم العجلة في الحكم على المسائل الشرعية قبل أن تتأكدي، كما نفيدك بأنه لا يجوز لك العدول إلى التيمم إلا عند العجز عن تدفئة الماء والتضرر بالغسل به. أما وجود مشقة محتملة فلا تبيح ترك الماء والعدول عنه إلى التيمم، ولا تنفك العبادات في الغالب عن ذلك، فعبد الله بن عمرو خشي الهلاك وليس مجرد مشقة يمكن تحتمل فلا تتساهلي في هذا الأمر بارك الله فيك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة