السؤال
لم أستطع أن أجمع بين حديث، ومجموعة من الآيات، فأنتم تعرفون قصة والد جابر بن عبد الله حينما استشهد -رضي الله عن الصحابة أجمعين- وقال له الحق: تمن، فتمنى العودة إلى الدنيا، لكن الله أخبره كفاحا أنه سبق منه القول: أنهم إليها لا يرجعون، فكيف نجمع بين هذا الكلام، وبين إحياء عيسى لبعض الأموات -بإذن الله-، وعزير، وأصحاب الكهف، وغيرهم الذين ماتوا ثم عادوا؟ فوالد جابر لم يعد إلى الدنيا؛ لأن الله سبق القول منه، ولا مبدل لكلماته، فلو قيل: لماذا لا ينطبق هذا الحديث على عزير، وأصحاب الكهف، وغيرهم؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما من نفس منفوسة إلا وكتب الله عليها الموت والفناء في الدنيا، قال عز وجل: كل نفس ذائقة الموت {آل عمران:185}، وقال تعالى: كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام {الرحمن: 26-27}، وقال تعالى: قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل {غافر:11}.
فكان الخلق نطفا لا حياة لهم في أصلاب آبائهم، ثم أماتهم، بعد أن صاروا أحياء في الدنيا.
والمراد بالإحياءتين: أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا، ثم أحياهم عند البعث، ومن مات الموتة الثانية، فإنه لا يرجع إلى الدنيا مرة أخرى، فقد أخبر تعالى عن حال المحتضرين من المفرطين والكافرين، وعن تمنيهم الرجعة إلى الدنيا بعد موتهم أنهم لا يرجعون إليها؛ قال تعالى: حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون {المؤمنون:99-100}، وقال تعالى: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون {الأنبياء:95}.
وهذا حكم من الله تعالى على عباده، وقضاء مبرم منه سبحانه، وقد استثنى الله تعالى من هذا الحكم -وهو عدم الرجوع إلى الدنيا لمن مات الموتة الثانية- بعض الأشخاص الذين قد ماتوا في الدنيا ثم عادوا إليها؛ لحكمة بينها الله تعالى في كتابه، وهي بيان قدرته تعالى على البعث بعد الموت.
ومن هؤلاء: القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت؛ قال تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون {البقرة:243}.
ومن هؤلاء أيضا قتيل بني إسرائيل؛ قال تعالى: وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون {البقرة:72-73}.
ومنهم أيضا الذين أحياهم المسيح ابن مريم -عليه السلام-، وذلك معجزة من الله تعالى لقومه؛ ليؤمنوا بقدرة الله تعالى، وليتبعوا المسيح فيما يأمرهم به، وعددهم أربعة، كما جاء في كتب التفسير.
ومنهم عزير، آيات من الله تعالى إلى خلقه: ولنجعلك آية للناس {البقرة:259}.
فهؤلاء سبق في علم الله تعالى لحكمة عظيمة -وهي: بيان قدرته على البعث والنشور بعد الموت والفناء- أنهم يرجعون إلى الدنيا بعد موتتهم الثانية.
وأما عبد الله بن حرام -رضي الله عنه- فقضى الله تعالى عليه، كما قضى على الناس أجمعين ألا يعود إلى الدنيا: ألا له الخلق والأمر {الأعراف:54}.
والله أعلم.