الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي ننصحك به أولا أنه إذا استطعت حل المشكلة بينك وبين أبي أولادك عن طريق تدخل المصلحين من أسرتيكما أو من الجيران بما يضمن حل المشكلة عائليا دون اللجوء إلى المحاكم، فذلك خير وأفضل؛ لما فيه من الأثر على الأولاد وصون سمعة الأسرتين معا، فإن لم ينفع ذلك فننصحك أولا باللجوء إلى الله تعالى مفرج الكروب وعلام الغيوب، فادعيه في أوقات الاستجابة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة في الكرب والهم، مثل ما أخرجه أحمد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا، قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال: أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.
وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئا.
وعليك أيضا بدعاء ذي النون، فقد أنجاه الله بدعائه حين دعا به وهو في بطن الحوت، فقد أخرج أحمد والترمذي عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
وحاولي تقديم النصح لهذا الرجل بواسطة أحد العلماء أو أئمة المساجد، أو زوج إحدى صديقاتك بواسطة صديقتك، فلا مانع من نصحه بالنظر في سبب تغير أخلاقه ومعاملاته وأن يبين له أنه يشرع علاج المصاب بالسحر أو الجنون بالرقية الشرعية كما يشرع علاج غير المصاب بالرقية أيضا كما نص عليه النووي، واحرصي على أن تحسني إليه وتهدي إليه حتى تستميلي قلبه، فإن الإحسان يستعبد الناس كما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *فطالما استعبد الإنسان إحسانا.
وقال الله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم {فصلت:34}.
واعلمي أنه قد اتفق الفقهاء على أنه يحق لكل من الأبوين رؤية وزيارة أولاده إذا كانت الحضانة لغيره، وليس لمن له حق الحضانة منع الزيارة، قال صاحب الغرر البهية في فقه الشافعية: ولا يمنعه من زيارتها (أي لا يمنع الأب إذا كانت الحضانة له الولد من زيارة والدته) لئلا يكلفها الخروج لزيارته؛ إلا أن يكون المحضون أنثى له منعها من زيارتها لتألف الصيانة وعدم البروز. انتهى.
و قال ابن قدامة في المغني: ولا يمنع أحدهما من زيارتها عند الآخر. اهـ
والسبب فيه أن المنع من ذلك فيه حمل على قطيعة الرحم فإن منع الزوجة زوجها من رؤية ولدها حرام، وقد ورد التهديد الشديد، والوعيد الأكيد لقاطع الرحم، ويكفي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم. وفيهما واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مه. قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك. قالت: بلى يا رب. قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم {محمد: 22-23}.
فإذا حصل النزاع بين الطرفين ولم يمكن حله على ضوء ما ذكرنا فلا مانع من الرجوع إلى المحاكم الشرعية، لأنها ذات الاختصاص في البت في مثل هذه المسائل.