السؤال
أرجو تفسير هذا الحديث: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر -رضي الله عنه-، وهما يبكيان، فقال: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء، بكيت، وإن لم أجد بكاء، تباكيت لبكائكما، فقال له: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة -شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم-. رواه مسلم.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فإن ما ذكر جزء من حديث طويل رواه مسلم، وغيره عن ابن عباس، أن عمر حدثه به عن موقعة بدر، وما جرى فيها، وشأن الغنائم، والأسرى، والفداء... ونسوق لك جزءا من هذا الحديث، يفسر لك ما ذكرت منه: قال: فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر، وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا، والله، يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر؛ ولكني أرى أن تمكنا، فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل، فيضرب عنقه، وتمكني من فلان -نسيبا لعمر-، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر، وصناديدها. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد، جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء، بكيت، وإن لم أجد بكاء، تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم* لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم* فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم. فأحل الله الغنيمة لهم.
والآية التي عرض عليه العذاب فيها هي قول الله تبارك وتعالى: لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم {الأنفال:68}، قال أهل التفسير: لولا كتاب من الله سبق في علمه، أنه سيحل الغنائم لهذه الأمة بعد أن كانت محرمة على الأمم السابقة، أو ما سبق من مغفرته لأهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر، أو ما سبق؛ لأنه لا يعذب مجتهدا... (لمسكم) أي: لحل بكم (فيما أخذتم) من الفداء (عذاب عظيم)، ثم عقب على ذلك بقوله تعالى: فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم.
والله أعلم.