السؤال
يقول الله تعالى في سورة النساء _15((واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)) أليس الإمساك في البيوت هنا حد للزنا، ويقول سبحانه في سورة النساء _25 عن الإماء والجواري: ((فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ماعلى المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم))
فإذا كان على المحصنة الرجم حتى الموت كيف سيكون على الجارية نصف ذلك، أما إذا كان على المحصنة الجلد مائة جلدة فيمكن أن تجلد الجارية خمسين وخاصة أن الآية (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة)) لم تفرق بين المحصنة وغير المحصنة.
أرجو أن توضحوا لي معاني الآيات حتى يهديني الله على أيديكم إلى الصواب، وأستغفر الله إن كنت على خطأ.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فآية الإمساك في البيوت منسوخة بحكم الرجم للثيب والجلد للبكر، وانظري بيان ذلك في الفتوى رقم: 12180.
وأما حد الأمة والعبد إذا زنيا فهو خمسون جلدة؛ لقوله تعالى: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب {النساء:25}قال القرطبي: أي الجلد ويعني بالمحصنات ههنا الأبكار الحرائر، لأن الثيب عليها الرجم والرجم لا يتبعض، وقيل المحصنات المتزوجات لأن عليها الضرب والرجم في الحديث، والرجم لا يتبعض، فصار عليهن نصف الضرب.. وذكر في الآية حد الإماء خاصة أي النساء ولم يذكر حد العبيد أي الذكور، ولكن حد العبيد والإماء سواء، خمسون جلدة في الزنى.
وأما حكم الرجم للحرائر المحصنات فهو ثابت بالسنة الصحيحة، وقد كان في كتاب الله ثم نسخ لفظ آيته وبقي حكمها كما قال عمر، وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم خلفاؤه من بعده، وقد خشي عمر رضي الله عنه أن ينكر الناس بعد ذلك هذا الحكم لأنهم لا يجدونه في القرآن، فخطب على المنبر فقال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أوالاعتراف.
وآية الرجم التي عناها عمر هي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
وقد كانت مما يتلى من القرآن فنسخ لفظها أي رفع لفظها من القرآن فلم تعد من الآيات الي يتعبد الله بتلاوتها ولكن الحكم باق، فالثيب الزاني يرجم بإجماع المسلمين، والسنة دالة على ذلك وهي مبينة للقران تقيد مطلقه وتخصص عامه وتفصل مجمله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، لا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. رواه أبو داود وأحمد وغيرهما، وصححه الألباني، وفي لفظ الترمذي وابن ماجه: ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله، وصححه الألباني، وانظري الفتوى رقم: 68357.
وخلاصة القول أن الإمساك في البيوت منسوخ بحد الرجم للثيب والجلد للبكر، وان الرقيق عليه نصف ما على الحر البكر من العذاب وهو خمسون جلدة، وأن حكم الرجم ثابت في حق الحر المحصن إن زنى، هذا هو ما تدل عليه نصوص الوحيين بمجموعها، ولا يجوز النظر إلى بعضها دون بعض أو ضرب بعضها ببعض، كما لا يجوز تفسير كتاب الله بمجرد الرأي والتخمين. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ لأنه لم يأت بالأمر من بابه؛ كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار وإن وافق حكمه الصواب. مجموع الفتاوى: 13/371، والآثار عن السلف في الترهيب من القول في القرآن بالرأي كثيرة وافرة، وراجعي الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8600، 9186، 20711. .
والله أعلم.