الدعاء لا ينافي الرضا بالقضاء

0 677

السؤال

بداية أبارك لكم جهودكم الكبيرة وأمدكم الله بثوابها بالصحة والعافية في الدنيا والآخرة ..من هنا أسألكم ما ثواب الإنسان على إيمانه بقضاء الله وقدره من خيره وشره وعندما يقدر عليه الحرمان من الأطفال وهم أحبابه(وهل يكون قضاء هذا الأمر عليه هو غضب من عنده أم اختبار أم ..) وهل يستطيع الإنسان أن يدعو الله بأن يعطيه حاجته رغم أنه يعلم قد قدره له.2- وأرجو كذلك تفسير قول الرسول(ص) تزوجو الودود الولود.. فهل هنا يحكم على الفتاة التي لا تلد بأن تهجر وتهمل ولا تتزوج وتستقر .. وكذلك إن كان الرجل.جزاكم ألف خير وأرجو الرد الدقيق

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الإيمان بقضاء الله تعالى - خيرا كان أو شرا - هو أحد أركان الإيمان وأسسه، فالإنسان قبل أن يؤمن به ويستسلم له لا يعد من المؤمنين، ولا يدخل في زمرتهم، وعندما يؤمن بقضاء الله تعالى وقدره ويستسلم له، مع إيمانه بباقي الأركان يصير من المؤمنين، والمؤمنون ثوابهم عند الله تعالى الجنة.
والله تبارك وتعالى عندما يجري على العبد قضاءه بما لا يرضاه العبد مثل: أن يحرمه من الولد، أو يبتليه بالفقر، أو الأمراض والآفات، فلا يعني ذلك أنه تعالى ساخط على ذلك العبد المبتلى، بل قد يكون ذلك لتكفير ومحو الذنوب التي لا ينفك عنها الإنسان غالبا.
قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) [الشورى:30].
كما أنه أيضا يكون ابتلاء وامتحانا من أجل إظهار صدق الصادقين في إيمانهم، وتبينه في واقع الأمر، وكشف كذب الكاذبين الذين يدعون الإيمان بالله تعالى وهم كافرون به.
قال تعالى: (الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) [العنكبوت:1-2].
وهذا استفهام استنكاري ومعناه: أن الله تعالى لابد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح: "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.
فعلى العبد أن يصبر على ما قدره الله تعالى عليه من خير وشر، ولا يقول إلا ما يرضي الله تعالى، لينال بذلك الميزة والخصوصية التي جعلته محل إعجاب وإعظام، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له" ولا يعني هذا أن الإنسان إذا ابتلي بما لا يرضيه، ولا يتلاءم مع طبعه أنه لا يجوز له أن يدعو ربه لكشف ما نزل به، وتخليصه منه، بل له أن يدعو ربه، ويتضرع له ليزيل عنه البلاء ويرفعه، والدعاء بكشف البلاء لا ينافي الصبر، فقد كان أنبياء الله تعالى يدعونه، ويسألونه كشف ما نزل بهم.
قال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) [الأنبياء:83].
وقال عز وجل: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) [الأنبياء:87].
وقال تعالى: (وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين) [الأنبياء:89].
ومعلوم أنه تعالى استجاب دعوة زكريا عليه السلام، فرزقه الولد بعدما تقدمت سنه، ووهن عظمه، وضعفت قوته من الكبر، مع عقم امرأته، ولكن هذا كله لم يمنعه من حسن ظنه بربه، حتى سأله الولد، وهذه هي سنة أنبياء الله تعالى، فعلى العبد أن لا يقنط من رحمة الله تعالى، وأن لا ييأس من زوجه، فمن بيده القضاء هو الذي أمر بالدعاء، ووعد بالاستجابة، ووعده حق وخبره صدق.
إذا الدعاء هو إحدى الوسائل التي يستجلب به المؤمن الرزق من عند الله تعالى، وهو السلاح الذي يدفع به الضر والبلاء، ويواجه به ما لا قبل له به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
ويشترط في مشروعية الدعاء أن لا يكون المدعو به مستحيلا شرعا أو عقلا، فإن كان كذلك، فالدعاء به اعتداء، والله تعالى يقول: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) [لأعراف:55].
وبهذا يعلم أن الإنسان له أن يدعو الله تعالى أن يعطيه حاجته التي لا يستحيل الحصول عليها شرعا ولا عقلا، وكيف يعلم الإنسان أن أمرا ما لم يقدر له إلا بالنسبة لما مضى، وحينئذ فيصير الدعاء به من الاعتداء، لأنه دفع للواقع، ودفع الواقع مستحيل عقلا.
وأما بالنسبة للمستقبل، فلا علم له بما سيقع.
وعليه، فلا مانع من أن يدعو ربه للحصول عليه. والله أعلم.



مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة